أمام قضية الإيمان والكفر. وقد عايش الإسلام هذا النموذج في عصره الأول ، وعانى الكثير من دسه وتضليله ولفّه ودورانه ، مما كان يربك الحياة الإسلامية في حركة المجتمع الإسلامي الداخلية والخارجية.
وقد نلاحظ ـ ونحن نواجه هذه الآيات الكريمة التي تحدثت عن المنافقين ـ أن الحديث عنهم يأخذ مساحة واسعة في تحليل شخصياتهم ، وإبراز ملامحهم ، أكثر من المساحة التي أخذها الحديث عن الكافرين ، ولعل السبب في ذلك ، أن قضية الكفر كقضية الإيمان ، تمثل موقفا حاسما في حياة الإنسان ، باعتبارها تحديدا واضحا للموقف إزاء ما يطرح من قضايا العقيدة والحياة ، فلا تعقيد في مواجهة الواقع ، ولا التواء في التعبير عنه. وبذلك يسهل التعرّف على المؤمنين والكافرين من خلال حركتهم في الحياة ، لكل من يعرف طبيعة الإيمان والكفر.
أمّا المنافقون ، فهم الذين يعيشون ازدواجية الموقف بين ما يضمرونه في داخل أنفسهم وما يظهرونه أمام الناس ، ممّا يجعل من اكتشافهم ومعرفتهم عملية معقّدة ، لأنها تحتاج إلى رصد دقيق لأقوالهم وأفعالهم لمواجهة العوامل القلقة التي تتحرك في سلوكهم الحياتي العام والخاص.
وقد يكون هذا هو السبب الذي جعل القرآن الكريم يواجه هذا المنوذج القلق بعدّة آيات تلاحق مظاهر النفاق في كلماتهم التي يواجهون بها الناس ، وشعاراتهم التي يطرحونها ، ومواقفهم الاجتماعية العملية والحياتية ، ليسهل على الناس كشف واقعهم من أجل التخلص من ضررهم في الحاضر والمستقبل.
* * *