المادي أو المستوى المعنوي ، حتى في مجال التضحية بالنفس أو بالمال مما يدخل في عملية العطاء بلا مقابل ، فإن القضية لا تخلو من العوض ، ولكنه العوض الأخروي للمؤمنين ، والعوض النفسي بشكل عام.
ونواجه في هذا الجوّ بعض الآيات الكريمة كمثال على ذلك ، كقوله تعالى :
(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة : ١١١] ، وقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) [البقرة : ٢٠٧] ، وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الصف : ١٠ ـ ١١].
وهكذا تكون الحياة في كل مجالاتها وصراعاتها ، عملية بيع وشراء مع الله أو مع الشيطان ، فلا تعطي شيئا ، إلا لتأخذ شيئا مقابلا له ، وهي في ذلك ، قد تربح إذا كانت النتائج جيدة في مصلحة البائع والمشتري ، وقد تخسر إذا لم تكن النتائج في مصلحتهما ، وعلى ضوء ذلك ، نعرف طبيعة تجارة هؤلاء المنافقين ، فهم قد أخذوا الشيء أو الموقف الذي يخسرون به مصيرهم في الدنيا والآخرة ، والذي يضعهم في تيه لا نهاية له من الحيرة والتمزق ، وتركوا في مقابل ذلك الهدى الذي يعطيهم القوة والفلاح والسلام الروحي في الدنيا والآخرة ، وبذلك كانت تجارتهم غير رابحة من خلال ما كانوا يأملونه من الأرباح ، في الوقت الذي خسروا فيه هدى الطريق ، مما جعلهم في ضياع دائم وتخبّط مستمر ، وظلام داخلي يحجب عنهم رؤية النور الذي يتفجر من أعماق