المنطلق من تجسيد الصورة في الواقع كأسلوب من أساليب وضعها في الواجهة من وعي الإنسان وتفكيره.
وقد نجد أن لكل واحد من هذين المثلين مهمة في إعطاء الفكرة عن شخصية المنافق تختلف عن الآخر ، ففي المثل الأول تصوير لحالة المنافق وهو يواجه الدعوة التي تشير إلى الطريق المستقيم من خلال النور الذي يضيء الروح والقلب والفكر ، فيبادر إلى الطريق الملتوي الغارق بالظلمة التي تعمي قلبه ، وتغشي بصره ، وتصمّ سمعه.
وفي المثل الثاني تصوير لحالته وهو يعيش حياته في أجواء النفاق واهتزازات المواقف بين الظلمة والنور والرعد والبرق ، فتجعله في حيرة مدمرة تأكل قلبه وتمزق روحه ؛ والله العالم بأسرار آياته.
(أَوْ كَصَيِّبٍ) مثل هؤلاء المنافقين في حيرتهم الذهنية وقلقهم النفسي ، مثل الناس الذين يتحركون في أجواء الصيّب ، وهو المطر الغزير الهاطل من السماء ، (فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) فهو يحتوي في حركته كلها الظلمات المتمثلة بالسحاب الأسود ، والضباب الكثيف ، والليل المدلهم ، والرعد الذي يدوّي فيصمّ الأسماع ، ويثير المخاوف ، ويهزّ الأفق ، والبرق الذي يظهر بين لحظة وأخرى بكل قوة فيثير الفزع من تأثيراته في العيون بقدر ما يثير من النور الساطع الذي يشق الظلام بسرعة ، فيحرّك ذلك الجوّ المتنوع في مخاوفه الإحساس بالخطر ، فتراهم (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) ليتفادوا ضغط الرعد على أسماعهم ، وليتخفّفوا من خطر الصواعق القاصفة المحرقة ، تماما كما لو كان الهروب من الإحساس بصوتها سبيلا للهروب من أخطارها ، (حَذَرَ الْمَوْتِ) الذي قد يأتيهم من خلالها (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) ، فلا عاصم من أمر الله ، لأن الأجل يأتيهم من كل مكان ، وبأكثر من سبب ، فلا يحميهم منه شيء ، ولا هناك من يستجيرون به.