استخدام وسائلها الطبيعية.
المثل الثاني في قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ* يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
حاول بعض المفسرين اعتبار التشبيه في المثل خاضعا لمفردات الظواهر الموجودة في الصورة ، وذلك بتشبيه الإسلام وما فيه من نور يهدي السائرين إلى الطريق الحق ، بالبرق الذي يهدي الناس في دياجير الظلام ، وبتشبيه الظلمات بشبهات الكفر والضلال التي توقع الإنسان حائرا في خطوات الطريق المظلم .. أمّا الرعد والصواعق ، فقد شبه بهما الإنذار بالعذاب والهول الذي يوجهه القرآن للضالين والمنحرفين عن الصراط المستقيم.
وهكذا يكون المثل من تشبيه مفردات صورة بمفردات صورة أخرى ، فلا تكون الصورة هي مركز التشبيه هنا ، وقد يكون مثل هذا القول واردا من خلال طبيعة التركيب اللفظي ، ولكن الجو العام للموقف ، يوحي بانطلاق التشبيه في حركة الصورة بعيدا عن المفردات ، لأن القضية هي قضية الحالة الداخلية لشخصية المنافق الذي يعيش الازدواجية الداخلية في الفكر والشعور ، التي تفرض عليه الجو القلق الحائر ، حيث تتأرجح مشاعره بين لمعات الطهر ونزوات الخبث ، وتضطرب أفكاره بين أفكار الخير وأفكار الشر ، وتختلط في عينيه مواقع النور وكهوف الظلام ، وتزدحم في سمعه صرخات العذاب وهدهدات النعيم ، وقد تؤكد لنا هذه الصورة ، أننا نعتبر ازدواجية المنافق في حياته العملية نابعة من ازدواجيته الداخلية في فكره وشعوره ، ولعلّنا نلمس الروعة في التشبيه في هذا الإطار الذي تهتز فيه الصورة بالحركة وتموج بالحياة ، لأنه يصبح أكثر انسجاما مع طبيعة الفكرة التي يوحي بها المثل