لهم الهدف ، ولينقذهم من الحيرة والتمزق والضياع ، فيقودهم إلى حيث الطمأنينة والوضوح في الرؤية والاستقامة في التفكير ، وكان بإمكانهم أن يلتقوا به على درب الإيمان ليخرجهم من الظلمات إلى النور ، ولكن العقدة المتأصلة التي تحولت إلى عقدة مرضية مستعصية حالت بينهم وبين الالتقاء بالنور والانطلاق مع الهدى ، فعاشوا مع هذه العقدة التي زيّنت لهم أساليب التلاعب الشيطانية ، وأوحت إليهم أن ذلك هو السبيل الذي يستطيعون من خلاله أن يحرزوا النتائج المضمونة من كلا الفريقين : فريق الكفر ، وفريق الإيمان ، بأسلوب اللف والدوران ، فعادوا إلى الظلمة من جديد ، بعد أن (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) بفعل إرادتهم المجنونة التي لا تعرف ما تريد وكيف تريد ، الأمر الذي جعل اختيارهم يتحرك في مصلحة الظلام لا في مصلحة النور ، فخذلهم الله وأوكلهم إلى أنفسهم (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ).
وجاءت الآية الثانية لتعطينا الفكرة الواضحة عن الأسباب التي دفعتهم إلى هذا الاتجاه المنحرف ، ولتعرّفنا أنهم لم يستخدموا الوسائل التي خلقها الله لهم ليحصلوا على المعرفة الشاملة ، بل حاولوا أن يجمّدوها ، فقد خلق الله لهم السمع ليصغى من خلاله إلى الكلمات الحقة من الآيات البيّنات التي تثير في داخلهم التفكير والتأمل ، وخلق لهم اللسان ليسألوا به عن كل الأمور التي يجهلونها أو يشكّون فيها ليصلوا إلى المعرفة الحقة ، وخلق لهم البصر ليتطلعوا به إلى آياته الكونية التي أودع فيها كل الدلائل والأسرار التي تقودنا إلى الشعور بعظمته والإيمان بوحدانيته ، لقد خلق لهم كل هذه الوسائل ليستخدموها كأدوات للمعرفة ، ولكنهم أهملوها ، فكانوا أشبه بالذين يفقدون هذه القوى ، لأن قيمة الحواس الإنسانية لا تكمن في وجودها الجامد ، بل في وجودها الحيّ المتحرك في كل اتجاه يمنح المعرفة وينمّي الحسّ بالحياة ، ويضيء للقلب طريق التفكير ، وبذلك يفقد العاملون الأمل في رجوعهم إلى الحقّ والصواب ، لأن شرطه الإحساس بالمعرفة من خلال الشعور بالحاجة إلى