حولهم ، ومن حولهم ، ولا يهتدون طريقهم.
(صُمٌ) لم يركزوا أسماعهم لاستماع الحق ، فكأنهم لا يسمعون ، لأن وجود السمع كعدمه بالنسبة إليهم ، من حيث النتيجة. (بُكْمٌ) لم يقرّوا بالله ورسوله ورسالاته ، فكأنهم لا ينطقون ، لأنهم لم يستفيدوا من لسانهم في ما يراد له من النطق بالحق. (عُمْيٌ) لم ينظروا في ملكوت الله في السماوات والأرض ، ليعرفوا سر عظمة الله من خلال ذلك ، فكأنهم لا يبصرون لانعدام الفائدة المطلوبة من وجود البصر. (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) إلى الحق لينطلقوا منه نحو سعادة الدنيا والآخرة ، بل يبقون في متاهات الضلال التي تقودهم إلى الضياع.
فهم تماما كما لو كنّا في صحراء مظلمة ليس فيها بصيص نور ، لا قمر تشع أنواره الشفافة الوديعة في الأجواء الممتدة التي تنسكب على الرمال بوداعة وهدوء ، ولا كواكب تلمع من بعيد ، فتوشي حواشي الظلام بلمعات من النور الأبيض القادم من بعيد في خجل واستحياء ، فتفتح أمام الخطى بعض مسالك الطريق. ليس هناك إلا ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض ، ثم استطعنا فجأة أن نوقد بعض النار ، وتصاعد اللهب الذي يكشف لنا الجو والموقع والطريق .. ثم جاءت ريح فأطفأت هذه النار ، أو حاولت أن تعبث بها فأطفأتها في حركة عاصفة شديدة. فلنتصور الحالة النفسية التي سنكون عليها ، والتي تتجسد فيها خيبة الأمل واليأس من الوصول إلى الهدف المنشود ، فهل ثمة حالة أقسى من مثل هذه الحالة التي ينفتح لنا فيها النور بعد يأس ، ثم يذهب فجأة وينطفئ بدون انتظار في أشد حالات الحاجة إليه؟
إنها ، تماما ، حالة المنافق الذي كان يعيش في ظلام دامس من الشك والحيرة والتمزق والضياع ، ككل الناس الذين يعيشون الكفر والجحود والنكران ، فيأتي النور الذي أرسله الله على رسوله ليدلهم على الطريق وليحدد