تعميق الفكرة في النفس وتقريبها إلى الوجدان عبر إبراز عناصرها بالوسائل الحسية ، لأن تأثير الحس في النفس أشد عمقا وأكثر تأثيرا من الجوانب المعنوية ، ولذا كانت هي الطريقة المفصلة لتربية الأطفال الذين لا يستطيعون إدراك الجوانب المعنوية ، إلا بأسلوب التجسيد الحسي الذي يربط الطفل بمرئياته وملموساته. وقد تكون قيمتها في تقريب الفكرة التي يوحيها المثل إلى ذهن الإنسان وروحه ، مما يجعل مقارنتها بالفكرة التي يراد عرضها للفكر أمرا عمليا مثيرا.
ولعل السر في محاولة القرآن الكريم إبراز ملامحهم الداخلية من خلال الصورة الحسية المتمثلة في واقع الطبيعة الملموس ، هو أن الله يريد إبعاد الناس عن هذا الاتجاه المنحرف في موقف الإنسان من قضايا الحق والباطل ، الأمر الذي يفرض على الأسلوب أن يلتمس كل العناصر المنفّرة التي تشارك في حشد الصورة بأكبر قدر ممكن من الأجواء المظلمة القاسية المغرقة في الضياع.
وقد صور الله لنا حالة المنافقين في مثلين محسوسين من صورة الطبيعة :
المثل الأول في قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ* صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ).
فالمنافقون (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) ليستعين بضوئها على معرفة الأوضاع المحيطة به ، والطريق الذي يسير فيه ، والغاية التي يسعى إليها. (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) ، ورأى من خلالها ما يريد رؤيته ، وحصل منها على ما يستفيده من الدفء والحرارة ، واستراح لذلك ، واطمأنّ به ، وفكّر في قضاء ليلة سعيدة مشرقة ، جاءته الريح العاصفة فأطفأت ناره و (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) ، فانطلقوا يتخبطون على غير هدى ، (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) ما