المعجزة إذا كانت محدودة قصيرة الأمد ، لم يشاهدها البعيد وقد تنقطع أخبارها المتواترة ، فلا يمكن لهذا البعيد أن يحصل له العلم بصدق تلك النبوّة ، فإذا كلّفة الله بالإيمان بها كان من التكليف بالممتنع ، والتكليف بالممتع مستحيل على الله تعالى ، فلا بد للنبوّة الدائمة من معجزة دائمة »(١).
أما تعليقنا على ذلك فمن جهتين :
١ ـ إن القضية التي أثارها سيدنا الأستاذ لا تدور مدار الخلود وعدمه ، بل تتحرك في إطار إمكانية حصول التواتر وعدم حصوله ، وهذا أمر مشترك بين الشريعة الخالدة والشريعة المحدودة بزمن طويل يرقى إلى مئات السنين ، فإن من البعيد أن نحصل على التواتر في جميع الطبقات في المدة المتطاولة التي قد ترقى إلى خمسمائة سنة أو أكثر كما في رسالة المسيح عليهالسلام ، وفي هذه الحال يعود السؤال في تلك الشريعة : كيف يمكن أن يكلف الله الناس بالإيمان بها مع عدم إمكان ثبوت المعجزة لهم بالمشاهدة والتواتر؟ فإذا قيل بإمكانية حصول التواتر في ذلك المقدار من الزمان فلنا أن نقول به في الزمان الأكثر.
٢ ـ إننا نعتقد أن هناك أساليب عقلية لإثبات النبوّة من طريق المحاكمات الفكرية التي جاءت بها الرسالات ، مما يشهد بصدق النبوّة ، غير المعجزة التي تأخذ جانب التحدي. ولعل التاريخ النبوي يدلنا على أن المعجزة ـ التحدي ، لم تكن هي الأساس في إيمان الناس بالنبي والنبوة ، بل كانت هناك عناصر أخرى غيرها ، من معاجز آنية ، أو معادلات عقلية ، كما نجد ذلك في رسالة نوح التي كانت معجزتها الطوفان في نهاية عهدها الرسالي مع قومه ، وفي رسالة إبراهيم التي كانت معجزتها الوقوع في النار من دون احتراق في وقت متأخر جدا عن ذلك ، وهكذا نجد في كثير من الرسالات الأخرى التي لم يحدثنا القرآن الكريم فيها عن وقوع معاجز محددة في بدايات الرسالة. ونعتقد أن شخصية النبي في
__________________
(١) البيان في تفسير القرآن ، ص : ٤٣.