الجانب الحسي شيئا لا ينسجم مع طبيعة الجنة باعتبار ما يستلزمه ذلك من إفرازات جسدية لا تتناسب مع قداستها ، أم هي الفكرة التي تجعل من الجنة والنار رمزين لحقيقتين معنويتين يمثلان الإحساس الروحي بالرضى والسعادة ، أو بالقلق والتعب والشقاء؟ ولكننا لا نستطيع الاقتناع بذلك ، لأن الفكرة الأولى قد تكون خاضعة للرأي الذي يعتبر الملذّات الحسية شيئا يتنافى مع السمو الروحي الذي تمثله الدار الآخرة ، لأن المادة تمثل القذارة والانحطاط ، ولكنها فكرة غير إسلامية ، لأن الإسلام لم يرفض المادة من خلال طبيعتها أو إفرازاتها ، بل جلّ ما رفضه منها ، ليس ما يتصل بها مباشرة ، وإنما ما يتصل بموقفنا الإنساني منها لجهة الاستغراق في لذائذها بالمستوى الذي يبعدنا عن الله ويدفعنا إلى تجاوز حدوده وعصيان أوامره.
وهذا ما نستطيع استخلاصه من الآيات الكريمة التي وجهت الإنسان إلى المتع الحسية في الآخرة كبديل عن الحرمان الذي يعانيه من رفض ما يرفضه من محرّماتها ، إلى جانب المتع الروحية التي وعد الله بها المتقين ، وذلك في أمثال قوله تعالى : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) [التوبة : ٧٢]. ولذا لا نجد أي مبرر لتشويه تصور الإنسان للجانب الحسي أو المادي من حياته ، ولا سيما في الإطار التربوي الذي يراد به بناء الشخصية الإسلامية المتكاملة للإنسان. نعم ، ما يجب الالتفات إليه دوما ، هو أن تكون العلاقة مع هذا الجانب علاقة متزنة ومتوازنة لا يشوبها الاستغراق ، ولا تحول بين الإنسان وبين التطلع نحو الله سبحانه وتعالى ، بحيث تشكل حجابا يغلف بصره وبصيرته ، فلا يعود ينظر إلى الأمور كما هي ، ويفتقد معها التوازن الأخلاقي ولا سيما في شخصيته.
* * *