أما الكافرون الذين لم تنفتح قلوبهم للحق ، ولم يعيشوا مسئولية الكلمة في حياتهم ، فلا يحاولون أن يتفهموا وجه الحق في ذلك ؛ بل يعملون على التهرب من مواجهة المسؤولية بإثارة الاعتراضات والتساؤلات التي لا يريدون بها إلا المشاغبة والتشكيك بعيدا عن أية رغبة في المعرفة ، أو نزوع إلى الإيمان ، فيثيرون القضية في سؤال يوحي للآخرين بأنهم لم يفهموا ماذا أراد الله بهذا المثل.
وقد نستوحي من خلال هذا التساؤل أنهم يريدون التهرب من الحقائق الصارخة التي يجسّدها المثل لا سيما في النيل من معتقداتهم وتضليلاتهم وكفرهم ونفاقهم ، فيواجهونه مواجهة عدم الفهم إمعانا في الهروب من تحديات الحق ـ الذي تمثله الرسالة ـ للباطل المتمثل في خطواتهم الكافرة والضالة ، تماما كما نشاهده في بعض الجماعات الكافرة التي تثير الضباب أمام الحقائق الدامغة بطرح الأسئلة التي تجعل القضية تتحرك في أجواء بعيدة عن الحوار الجديّ العميق.
ولكن الله ، سبحانه وتعالى ، يواجه هذا التساؤل بالجواب الحاسم ، فيوحي ـ من خلال الآية ـ بأن دور المثل هو إقامة الحجة للحق على الناس ، باعتباره أسلوبا حيا من أساليب الاحتجاج للفكرة ، فأمّا المؤمنون فيتقبلونها بوعي لأنهم ينفذون إلى أعماقها ، فتنفتح لهم منها آفاق المعرفة والإيمان ، فيهتدون بها ، وأما الكافرون فيهربون منها فيضلّون بها. ثم حدد لنا هؤلاء الذين يتجهون إلى الضلال أمام هذه الأمثال ، فوصفهم بالفاسقين الذين يتجاوزون الحق إلى غيره.
أمّا نسبة الضلال والهدى إلى المثل الذي ضربه الله للناس ، وأراد أن يضل به الكثير ويهدي به الكثير ، على حسب مضمون الآية ، فلعل الوجه فيه هو أن وجود الحجة يحدد للناس الموقف الذي يقفونه من قضايا الكفر