وإذا كانت حكمتك ـ والكلام في معناه للملائكة ـ من استخلاف الإنسان في الأرض أن يسبّحك ويقدّس لك ويعبدك ، باعتبار أن العبادة هي غاية الخلق في من تخلقه ، فإننا لن نبلغ كنه الحقيقة العميقة فيها ، لأن الكون لا يعيش الفراغ من هذه الجهة ، (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) في الأرض والسماء ، حتى يتحول الكون من حولنا إلى تسبيح وتقديس وانفتاح عليك في كل مواقع القرب إليك ، وربما خيّل إلينا أننا أقرب إلى الخلافة من هذا المخلوق الجديد ، لأننا نطيعك ولا نعصيك ، وهو يخلط الطاعة بالمعصية ، والاستقامة بالانحراف ، مما يجعل النتائج سلبية في حركته ، بينما هي إيجابية في وجودنا.
(قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) لأنكم تعرفون من الأشياء ظواهرها ، ولا تنفذون إلى بواطنها ، فقد تكون هناك بعض المفاسد في التقديرات الوجودية المتصلة بالكون والإنسان ، ولكن المصالح الكامنة فيها ، والحاصلة منها ، أكثر أهمية ، وأقوى تأثيرا ، وأفضل إنتاجا ، بحيث تذوب المفاسد في سلبياتها أمام المصالح في إيجابياتها ، وذلك من خلال النظام الكوني المحدود الذي لا تجد فيه خيرا إلا ومعه شر ، كما لا تجد فيه شرا إلا وهناك خير في داخله ، لتكون المعادلة غلبة هذا الجانب على ذاك في مسألة أفضلية الوجود على العدم ، أو أفضلية العدم على الوجود.
إن مشكلتكم هي أنكم لا تملكون الوعي الكامل الشامل المنفتح على كل حقائق الكون في حركة الخلق والوجود ، ولذلك فإنكم تعرفون جانبا واحدا من الصورة ، ولا تعرفون الجوانب كلها ، وسوف تعلمون من نتائج هذا الخلق كثيرا من الأشياء التي تضيف إلى عملكم علما وإلى وعيكم سعة وشمولا.
* * *