جوابا عن سؤال تفرضه طبيعة القضية ، بعيدا عن أجواء الحوار الحقيقي. وقد نستطيع أن نتبنى الفكرة الثانية ، لأن الآيات ، بمجموعها ، توحي بأن في القضية نوعا من التحدي الذي يوجه نحو الملائكة ، بإثارة محدودية علمهم من جهة ، وبتوجيه السؤال إليهم لإظهار عجزهم وتكليف آدم بالإجابة عنه. وقد يقرّب هذه الفكرة ، أننا لا نفهم الوجه في إدارة هذا الحوار مع الملائكة ، فإن حوار الله مع مخلوقاته ينطلق غالبا من القضايا التي تتعلق بمسؤولياتهم وتكاليفهم ، أمّا أن يكون متمثلا في الأمور التكوينية التي يريد إيجادها ، فهذا ما لا نعرف له وجها. ومن الطبيعي ، أن هذا لا يعتبر مانعا عقليا عن حمل اللفظ على ظاهره ، ولا سيما أننا لا نملك الكثير من المعرفة لعالم ما وراء الطبيعة ، فنحن لا نعرف كيف يقولون ، وكيف هم ، وما هي العلاقة بينهم وبين الله سبحانه ، وما هو الجو الذي يمكن أن يعيش فيه هذا الحوار. كل هذا لا نملك له سبيلا للمعرفة ، فإن هذه القضايا مما نعرف وجودها بشكل ضبابي ، لأننا لا نجد وسائل الإيضاح التي تجعلنا نتمثل الفكرة بوضوح.
إننا نستقرب اعتبار الموضوع أسلوبا قرآنيا لتوضيح الفكرة ، ولكننا لا نجزم بذلك ، لأن المعطيات التي قدمناها لا تدع مجالا للجزم ، بل ربما نلتقي ببعض الأحاديث المأثورة التي تدعم الفرضية الأولى .. في ما سبق أو يمكن أن يلي من حديث.
بقيت هناك نقطة ، لا بد من الإشارة إليها في هذا المجال ، وهي موضوع الصدق والكذب ، إذ كيف يسوّغ الإخبار بحدوث حوار لم يحدث ، وبحكاية قول لم يقل؟ وهنا نقول إننا نعرف من الأبحاث التي تحدثت عن الصدق والكذب ، في أبواب الكناية وفي غيرها ، أنهما يخضعان ـ في مقياسهما ـ لما يقصد حكايته ، فإن قصد المتكلم الإخبار بما يحكيه عن الواقع ، أمكن الحكم عليه بالصدق إن كان مطابقا له ، وبالكذب إن لم يكن مطابقا ، أما إذا لم يقصد الإخبار عن الواقع في مضمون الحكاية ، بل قصد اعتبارها وسيلة للإخبار عن