الآيات التي تحدثت عن وجه الله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] ، أو عن يد الله كما في قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) [المائدة : ٦٤] ، وكذلك في قوله عزّ من قائل : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح : ١٠] ، مما قد يوحي بأنه تعالى جسم كالأجسام .. ولما قام الدليل العقلي على امتناع الجسمية عن الله ، حملنا هذه الآيات وأمثالها أنها واردة مورد الاستعارة للتعبير عن الذات في كلمة الوجه ، وعن عطائه وقوّته في كلمة اليد ، لمناسبات لغوية تقتضي ذلك. والآن ، ما موقع قصتنا من هذه القاعدة؟
قد يعالج البعض القضية من خلال هذا السؤال :
كيف نفهم الحوار كحقيقة موضوعية؟ هل كان الله سبحانه ، في مقام استشارة الملائكة في ما يريده من خلق هذا الخليفة أم كان في مقام إخبارهم بذلك؟ لا بد من رفض الشق الأول من السؤال ، لأن الاستشارة تنطلق من محاولة الوصول إلى الرأي الأصوب الذي يستتبع الجهل بالواقع مما يستحيل نسبته إليه تعالى. وأما إذا كانت القضية إخبارا عما يريد الله فعله ، فكيف نفسر اعتراض الملائكة عليه ، مع أننا نعرف ، من خلال القرآن الكريم ، أنهم (عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٦ ـ ٢٧].
وهنا يعود السؤال من جديد : كيف نفسر الحوار؟ ونقول : ربما تكون القضية واردة مورد التساؤل أمام الإخبار ، وليس هناك ما يوجب اعتبار السؤال اعتراضا ، فإن طبيعة الموضوع تدفع للتساؤل عن سر الحكمة فيه ، وتثير الدهشة والاستغراب ، فكيف يخلق الله مخلوقا ليكون خليفته في الأرض ، في الوقت الذي تتمثل حياته في التمرد على الله بالفساد وسفك الدماء؟ إن القضية ، بحسب طبيعتها ، تشبه اللغز. وفي هذا الإطار ، يمكن أن تكون القضية جوابا عن سؤال أثاره الملائكة لكشف الموضوع ، ويمكن أن تكون