البيان للطبرسي :
أمّا قوله تعالى : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) قيل : معناه كان كافرا في الأصل ، وهذا القول لا يوافق مذهبنا في الموافاة ، وقيل : أراد كان في علم الله تعالى من الكافرين ، وقيل : معناه صار من الكافرين كقوله تعالى : (فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) [هود : ٤٣] واستدل بعضهم بهذه الآية على أن أفعال الجوارح من الإيمان فقال : لو لم يكن كذلك لوجب أن يكون إبليس مؤمنا بما معه من المعرفة بالله تعالى وإن فسق بإبائه ، وهذا ضعيف لأنا إذا علمنا كفره بالإجماع علمنا أنه لم يكن معه إيمان أصلا كما أنّا إذا رأينا من يسجد للصنم ، علمنا أنه كافر وإن كان نفس السجود ليس بكفر. ثم قال صاحب المجمع : فإن قيل : لم حكم الله بكفره مع أن من ترك السجود الآن لا يكفر؟ قلنا : لأنه جمع إلى ترك السجود خصالا من الكفر ، منها أنه اعتقد أن الله تعالى أمره بالقبيح ولم ير أمره بالسجود حكمة ، ومنها أنه امتنع من السجود تكبرا وردا على الله تعالى أمره ، ومن تركه الآن كذلك يكفر أيضا ، ومنها أنه استخف بنبي الله وازدراه وهذا لا يصدر إلا من معتقد الكفر .. (١).
ولكننا نلاحظ في هذا المجال ، أن هذه الآية ، وغيرها من الآيات ، لا تدل إلا على نقطة واحدة في سبب العصيان ، وهي طبيعة الاستكبار التي كان يشعر بها إبليس تجاه آدم من ناحية العنصر ، كما ورد في قوله تعالى : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [الأعراف: ١٢] وفي قوله تعالى : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٦٢] مما يعطينا الفكرة التي تظل في هذا النطاق المحدود الذي يمثل المعصية التي لم تتجمد في إطار ذاته ، بل امتدت لتتحول إلى عملية إغواء لذرية آدم في كل مجالات العقيدة من ناحية الفكر ومن ناحية العمل.
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ١٠ ، ص : ١٠٥ ـ ١٠٦.