هي جنة من جنان الدنيا في الأرض ، وقال : إن قوله : (اهْبِطُوا مِنْها) ، لا يقتضي كونها في السماء ، لأنه مثل قوله : (اهْبِطُوا مِصْراً)(١). وهذان القولان لا يرتكزان على قاعدة ثابتة ، لأن الأساس فيهما هو امتناع أن تكون هي الجنة الموعودة ، باعتبار أنها التي لا يخرج منها الداخل فيها ، ولكن لا دليل على ذلك ، لأن هذا شأن الذي يدخل الجنة بعد انقضاء مدة العمل في الدنيا وبعثه بعد الموت في الآخرة ، وليس مثل مسألة آدم الذي أدخله الله الجنة ليعيش التجربة الصعبة فيها ، وليتعرف قيمتها في خط العمل ، ليعمل لها في المستقبل ، ولتكون هدف أولاده من بعده في السعي الحثيث إليها من خلال الإيمان والعمل ، وربما نستوحي ذلك من قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) [الأعراف : ٢٧] ، فقد يكون المراد هو التحذير من فتنة الشيطان لبني آدم حتى لا يبعدهم عن الجنة كما أبعد أبويهم عنها.
وقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليهالسلام أنه سئل عن جنة آدم فقال : « كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ، ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا » (٢). فإذا صحّ هذا الحديث كان هو الحجّة على المدّعى.
(وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) في عيش هنيّ طيب واسع لا نفاد له ولا عناء فيه ، فليست هناك شجرة محرّمة في كل أشجار الجنة ، وليس هناك موقع ممنوع عنكم فيها.
(وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) أي : لا تأكلا منها ـ على سبيل الكناية ـ باعتبار أن المطلوب بالقرب منها ، هو الأكل من ثمرها ، تماما كما يأكلان من بقية
__________________
(١) انظر : مجمع البيان ، ج : ١ ، ص : ١٠٨.
(٢) نقلا عن : تفسير الميزان ، ج : ١ ، ص : ١٣٩.