الهبوط وهما في الجنة كما في سورة الأعراف ، قال تعالى : (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) إلى أن قال : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) إلى أن قال : (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) [الأعراف : ٢٢ ـ ٢٤] الآيات ، بل الظاهر أن قولهما : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) تذلّل منهما وخضوع قبال ندائه تعالى وإيذان بأن الأمر إلى الله سبحانه كيف يشاء ، بعد الاعتراف بأن له الربوبية وأنهما ظالمان مشرفان على خطر الخسران (١).
ونلاحظ على ذلك ، أن الآيات في سورة الأعراف وطه ، تدل على أن التوبة كانت قبل الهبوط إلى الأرض ، أما في الأعراف فإن الظاهر من الآية : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) إلى آخر الآية أنها تعبير عن التوبة والندم بقرينة : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) ، فإن مدلولها ، هو طلب الغفران والرحمة من الله لإدراكهما النتائج الخاسرة في حالة عدم حصولهما على ذلك ، وليست مجرد تعبير عن التذلل والخضوع لله ، في قبال ندائه وإيكال الأمر إليه ، لأنه المالك للأمر كله. أما في سورة طه ، فقد ذكر التوبة بعد العصيان وذلك قوله تعالى : (فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى * ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) وذكر الأمر بالهبوط إلى الأرض ـ بعد ذلك ـ (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) [طه : ١٢١ ـ ١٢٣].
أما آية سورة البقرة ، فإنها لا تبتعد عن ذلك إلّا من خلال موقع الفاء التي لا مانع من حملها على خلاف الظاهر من الترتيب بقرينة ما جاء في سورة الأعراف وطه ، والله العالم.
* * *
__________________
(١) م. س ، ج : ١ ، ص : ١٥٠.