الأرض إلى المدى الذي يريد لهم أن يعيشوا فيه ، ويتمتعوا في ما هيأه الله لهم من صنوف المتع واللذات ، وأن يواجهوا الموقف بين الفريقين ـ فريق الإنسان وفريق الشيطان ـ بروح العداوة التي يشعر معها الإنسان بأن الشيطان لا يخلص له ولا يصفو ، لأن مهمته التي نذر نفسه لها هي إغواء الإنسان ، وإضلاله ، وإبعاده عن رحمة الله ، ولذا فإن الحياة الجديدة تعتبر بداية الصراع.
ولم يترك الله ، سبحانه ، لإبليس أن يجني ثمرة انتصاره ، فأوحى لآدم بالطريقة المثلى التي يستطيع من خلالها أن يتراجع عن خطئه ، لتكون أساسا ثابتا في علاقته بالله في الحالات التي يشعر معها بالحاجة إلى اللقاء به في عملية رجوع واستغفار. واستجاب آدم لرعاية الله له ، ورجع إلى ربه وعاد ـ كما كان ـ إنسانا يسبح في أجواء عفو الله ورحمته ورضوانه ، ليمارس دوره الجديد في الخلافة عن الله من موقع علاقة المخلوق التائب بخالقه الرحيم الغفور (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ).
ولم تكن عملية الهبوط عقوبة لهذا الانحراف عن أوامر الله ، ولا يراد منها الإبعاد والإقصاء عن مجال رحمته ـ تعالى ـ ، بل هي تخطيط لكون جديد يتحرك فيه الإنسان على أساس هدى الله في ما يوجه إليه من خلال رسالاته ، ويمارس على أساسه دوره الطبيعي في خلافته عن الله في الأرض.
وتحولت الجنة إلى هدف كبير للإنسان من خلال خطواته العملية في الحياة. فكما ساهمت المعصية الأولى في خروجه منها ، فإن الطاعة لله تساهم في دخوله إليها من جديد ، لأن قيمتها تكمن في تمثيلها لرضوان الله ولطفه ورحمته ، مما يعني ابتعاد المذنبين عنها وقرب المطيعين إليها.
تلك هي الصورة الإجمالية المستوحاة من هذه الآيات الكريمة. وتبقى