عليه. ويعبّر عن النهي في المجال الأول بالنهي المولوي ، وفي المجال الثاني ، بالنهي الإرشادي. ويقولون : إن العصمة لا تتنافى مع القسم الثاني من النهي ، لأن النبي لم يتمرد على الله في فعل ما يغضبه ، بل كل ما هناك أنه أساء إلى نفسه في ما وجهه الله إليه من نصيحة وإرشاد. وهذا ما نستوحيه من الآية ، حيث الظاهر أن النهي كان إرشاديا ، باعتبار أن نتيجته فقدان نعيم الجنة ، وليس التعرض لعقاب الله .. وقد نجد شواهد على ذلك من هذه الآية وغيرها. فنحن نجد النهي هنا واقعا بعد الحديث معهما عن حريتهما المطلقة في التنعم بنعيم الجنة في ما يشاءان ، مما يوحي بأن القضية تتحرك في إطار النصيحة. ونجد ذلك في قوله سبحانه : (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) [طه : ١١٧ ـ ١١٩] فنحن نواجه ترغيبا في نعم الجنة كأسلوب من أساليب التشجيع على الانسجام مع التوجيه الإلهي ، من دون أن تكون هناك ضغوط تشريعية في هذا المجال. فلم تكن القضية هي أن يعذب أو لا يعذب ، بل كل ما كان هناك هو : هل يبقى في الجنة أو لا يبقى فيها؟ فلا منافاة في ذلك لفكرة العصمة من قريب أو من بعيد.
وقد يقول قائل : إن كثيرا من ظواهر القرآن لا تؤدي هذه الفكرة ، فنحن نلتقي بقوله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) [طه : ١٢١] ، وبقوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) وقوله تعالى : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا) وقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ). فنحن نلاحظ أن المعصية ضد الطاعة ، وأن الغواية ضد الرشد ، وأن التوبة لا تكون إلا عن ذنب ، وأن اعتبار الإنسان ظالما لنفسه لا يكون إلا من خلال عصيانه لله ، مما كثر التعبير عنه في القرآن الكريم.
ونجيب عن ذلك : إن كلمة المعصية لا تختص بالمعصية القانونية المستتبعة للعقاب ، فيصحّ لنا أن نطلق على التمرد على أوامر الطبيب كلمة