يكون المخلّص هو الله نفسه الذي يتحمل العذاب الجسدي بتجسّده ليستوفي حقه وعدله. إنه كلام لا نفهم له أساسا معقولا من خلال وعينا لعظمة الذات الإلهية واستحالة التجسد فيها من جهة ، أو من خلال اعتبار المغفرة موقوفة على استيفاء الله لحقه من نفسه بشكل مادي ، مع أنه الجواد الكريم الذي يفيض بجوده وكرمه على جميع خلقه.
ثالثا : ما معنى أن يتحمل شخص العذاب والآلام ليفدي بذلك خطايا البشرية القليلة والكثيرة ؛ إذا لا نعقل معنى لاستيفاء الحق بذلك. فإن الفكرة الطبيعية المعقولة هي أن يتحمل الإنسان مسئولية خطئه ، فيجني ثمارها بنفسه ، وهذا ما ركّزه القرآن في قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤].
وبهذه المناسبة نحب أن نشير إلى أن مثل هذه الفكرة ـ وهي فكرة التكفير عن خطايا الآخرين بالآلام التي يتحملها شخص معين عظيم يقف ليفدي الناس بذلك ـ قد انتقلت إلى بعض الأساليب الشائعة في عرض قضية الإمام الحسين في ثورته واستشهاده. فإن بعض القارئين للسيرة يحاولون أن يذكروا أن الحسين فدى بنفسه ذنوب شيعته وخطاياهم ، مما يقتضي غفران تلك الذنوب بتضحيته إمّا بشكل مباشر ، كما في التفكير المسيحي ، أو بشكل غير مباشر ، باعتبار أنه يشفع لهم من خلال هذه الشهادة. إننا نحب أن نسجل ابتعاد هذه الأساليب عن التفكير الإسلامي ، وعن الطابع الإسلامي للثورة الحسينية التي انطلقت من أجل إقامة الحق وإزهاق الباطل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بعيدا عن أيّة حالة فداء لذنوب الآخرين ، بل هو الفداء والتضحية للحق وفي سبيل الله.
* * *