وهو الكافي الذي يكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيء.
وهكذا ينطلق الفقر الإنساني في حاجاته الوجوديّة ، ليصرخ ، من موقع العقيدة المنفتحة على قدرة الله على كل شيء ، بقوله : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، مما يوحي بالتوحيد في الاستعانة ، فلا استعانة للعبد إلّا بربه الواحد في عمق المعنى ، لأن ما يقدمه الآخرون من معونة ، فهو مستمد من الله.
وإذا كان الله هو المعين ، فهو الهادي إلى سواء السبيل ، لأن الهداية جزء من معونته ، يفتح بها قلب الإنسان وعقله على الحق ، ويوجه حركته الاتّجاه السليم ، في ما يوجهه إليه من رسالاته ، ويلطف به من فيوضات ألطافه ، ليهتدي بذلك كله إلى الطريق المستقيم الذي تتمثل فيه كل نعم الله في وعي الحق المنفتح على كل قضايا العقيدة في الحياة ، ويبتعد ـ من خلاله ـ عن كل الطرق المنحرفة التي تقوده في فكره وعمله إلى غضب الله ، وعن كل المتاهات الفكرية والروحية والحركية التي تؤدي به إلى الضياع في صحراء الضلال على كل المستويات.
وهكذا تحدد السورة للإنسان تصوراته لرّبه ، في موقع الربوبية والرحمة والمسؤولية ، والتزامه بالله في موقع العبادة له والاستعانة به ، وانفتاحه عليه ، في الدعاء له بأن يهديه (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) الذي يحصل من خلاله على محبته ورضاه وهداه.
وبذلك نجد في السورة الإطلالة الواسعة على الأجواء القرآنية الرحبة التي تضع هذه المبادئ عنواناً لها في الواجهة ، لتكون آيات القرآن بمثابة التفاصيل كل مفرداتها ، ولذلك سميت ب « أمّ الكتاب ».
وربما أمكننا أن نختصر خطها العام بتأكيدها على العقيدة والعمل اللذين