وإذا كانت الكلمتان (لِلَّهِ) و (رَبِّ الْعالَمِينَ) تختزنان إيحاء قوة العظمة ، فإن كلمتي (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) توحيان بالرحمة التي تلامس قلب الإنسان وروحه وكذلك كل حياته ، لتناسب فيها محبة وخيرا وطمأنينة وسلاما ، فترتاح مشاعره لإيحاءات الرحمة في الوقت الذي تسمو فيه أفكاره إلى معاني العظمة ، ثم تنقله الأجواء الإيمانية إلى عالم آخر ، هو عالم الآخرة الذي يواجه فيه الجزاء العادل على أعماله الصالحة أو غير الصالحة في يوم الدين الذي يملكه الله ، فله ـ وحده ـ السيطرة المطلقة فيه ، في كل ما يتعلق بالثواب والعقاب ، والجنة والنار .. وبذلك تندفع مشاعر المسؤولية في كيان الإنسان لينطلق تصوّره لله من خلال هذا الأفق الواسع الذي يثير في داخله الرقابة الإلهية الشاملة لتوازن خطواته في المواقع التي تتوازن فيها أعماله.
وهكذا يكون التصور لله في هذه الصفات الثلاث أساسا لحركة العقيدة بالله في تفاصيلها الإيحائية التي تتحرك في حياة الإنسان لتوجهه إلى عبادة الله ، ممّا تفرضه الربوبية الشاملة والرحمة الواسعة والمالكية المطلقة للمصير كله ، وفيما هي الهيمنة كلها على الكون كله ، فيتوجه إليه ليعبّر عن خضوعه لعبادته بالمستوى الذي ينفتح فيه على توحيد العبادة ، فلا يعبد غيره ، ولا تكون المسألة مسألة تقريرية ، بل هي مسألة إقرارية ، لأنه يسجل على نفسه الاعتراف الحاسم بذلك بقوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ).
ثم يتطلع إلى الوجود كله ليجد أن الله هو القادر على كل شيء فيه ، لأنه الخالق لكل الوجود ، فكل مخلوق محتاج إليه بفعل ارتباط وجوده به الذي يمثل الفقر كله ، مما يجعله عاجزا عن إدارة شؤون نفسه ، أو إدارة شؤون غيره إلّا بإذنه ، فهو المستعان ، فلا يملك أحد أن يحصل على العون إلا بإرادته ،