مهبّ الريح ، فيوحي لنفسه دائما بأنه لا يملك إرادته ، ولا يسيطر على حركته ، ولا يستطيع أن يتحكّم بتحديد مصيره ، في ما تفرضه عليه العقيدة الإيمانية من ذلك كله ، بل إن المسألة ، في بعدها الفكري العقيدي ، تؤكد الثقة بالنفس ، من خلال ثبات الأجهزة المودعة في داخل كيانه في نطاق العقل والإرادة والحركة الخاضعة للقوانين الإلهية المتحكمة ببنية الكيان الإنساني وفاعليته ، ومن خلال ثبات السنن الكونية التي أقام الله الكون عليها في حركة نظامه وفي مفردات الوجود في داخله ، مما يوحي بأن الإنسان يملك استقلاله الذاتي في دائرة النظام الكوني في كيانه وفي ما يحيط به من قوانين الوجود ، وذلك من خلال إرادة الله التي تتصرف في الكون كله بالحكمة العميقة وبالقدرة المطلقة.
ونستطيع التأكيد بأن هذا الارتباط الكلّي بالله القدرة والرحمة والعلم والحكمة ، يمنح الإنسان الشعور الكبير بالثقة ، بدرجة أكبر ، لأنه يستند إليه ويستعين به في مواجهة كل عوامل الضعف الداخلية والخارجية التي تتحداه ، من دون أن ينتقص ذلك من حريته ومصداقيته.
إن الاستعانة بالله تمثل ـ في المفهوم الإسلامي ـ الاستعانة بمصدر القوة الأساس في وجوده من ناحية المبدأ والتفاصيل ، تماما كما هو الحال في التفكير المادّي في السنن الكونية الطبيعية التي يراها أساسا لحركة الوجود المادية ، مع فارق كبير ، وهو أن المؤمن ينفتح على الإرادة الإلهية الحكيمة العليمة القادرة الواعية ، بينما يعيش المادّي في ضباب شديد .. كما أن إرادة الله قد تتجاوز السنن الطبيعية في بعض الحالات ، بينما لا يمكن تجاوزها في التصور المادّي لحركة الكون والإنسان.
* * *