الإحساس بشيء من الألوهية أو بالألوهية كلها في ذات المعبود. فليست العبادة هي الخضوع ولا الطاعة ولا التألّه ، ولكنها المعنى الذي يشمل ذلك كله في خصوصية مميّزة.
في ضوء ذلك ، يمكن فهم قول الإمام الحسين عليهالسلام : « الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون » (١).
فإن عبادة الناس للدنيا تنطلق من استغراقهم فيها ، حتى كأنهم يمنحونها صفة الإله في استسلامهم المطلق لكل شهواتها ومتطلباتها ، كما لو كانت إلها معبودا. وهذا من التألّه الخفيّ الذي قد لا يستشعره الإنسان في وعيه ، لكنه يختزنه في المنطقة الخفية في ذاته. كما نستوحي ذلك من قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) [الجاثية : ٢٣].
فإن اعتبار الهوى إلها ، ينطلق من عمق الاستغراق فيه ، كما لو كان هو الذي يحتوي الوجود بحيث لا يبصر الإنسان غيره ، ولا يندفع إلّا نحوه ، ولا يلتزم إلّا به ، حتى يستولي على كل ذاته.
وقد نستفيد ذلك من الكلمة المأثورة : « فمن أطاع ناطقاً فقد عبده ، فإن كان الناطق ينطق عن الله تعالى فقد عبد الله ، وإن كان ينطق عن غير الله فقد عبد غير الله » (٢) ، بما يوحيه ذلك من الاستغراق المتمثل بالإصغاء الذي يستولي على الفكر والشعور ، بحيث يفقد الإنسان إرادته معه.
* * *
__________________
(١) البحار ، م : ١٤ ، ج : ٤٤ ، ص : ٦٧٠ ، باب : ٣٧.
(٢) م. ن ، م : ٣٢ ، ج : ٩٠ ، ص : ٢٧٣ ، باب : ١٢٨.