هذه أسئلة توقف عندها الكثيرون في حركة التفسير ، وأثاروا الكثير من الجدل حولها ، حتى خيّل للبعض أنّ القرآن كتاب رمزي لا يعلمه إلّا الفئة التي جعل الله لها الميزة في فهم وحيه ، فأنكروا حجية ظواهره إلّا بالرجوع إلى أئمة أهل البيت عليهمالسلام ، وانطلق البعض ليتحدث عن تعدد المعاني للكلمة الواحدة بطريقة عرضية أو طولية ، واستفاد آخرون من الرّوايات أنّ القرآن ، في مجمل آياته ، حديث عن أهل البيت بطريقة إيجابية ، وعن أعدائهم بطريقة سلبية ، ليبقى للأحكام وللقضايا العامة وللقصص المتنوعة مقدار معين ...
وهكذا كان التصور العام للقرآن خاضعا للأجواء الخاصة التي تعبد به عن أن يكون الكتاب المبين الذي أنزله الله على النّاس ليكون حجة عليهم ، من خلال آياته الواضحة التي تمنحهم الوعي الفكري والروحي والشرعي ، على أساس ما يفهمونه منها ، بحسب القواعد التي تركز الطريقة العامة للفهم العام.
من هنا ، فمن الضروري جلاء هذه المسألة المهمة في الفكر الإسلامي ، لأنّ أيّة مسألة تتصل بطبيعة القرآن وسلامته ، من الزيادة والنقصان ، وطريقة فهمه ، ودوره الأصيل في استلهام وحي الله ، هي على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة في وعي الإسلام ، لأنّ القرآن الكريم هو القاعدة الإسلامية الأساس للمفاهيم ، والأحكام ، والمناهج ، والوسائل ، والغايات ، الأمر الذي يجعل من الارتباك والانحراف والغموض في فهمه ، مسألة سلبية تنسحب على ذلك كلّه.
ربّما كان من البديهي استنطاق القرآن الكريم في حديثه عن نفسه في الآيات التي تؤكد عربيته ، وذلك في الآيات التالية :
(إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف : ٢]. (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [فصلت : ٣]. (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الزمر : ٢٨]. (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء : ١٩٣ ـ ١٩٥].