الطبيعي أن الإنسان لا يستغني عن غيره في تفاصيل وجوده ، كما لم يستغن عن غيره في أصل وجوده الفعلي الذي كان محتاجا فيه إلى أبويه ، باعتبارهما العنصرين اللذين يدخلان في السبب المباشر للوجود .. وهناك أشياء كثيرة مما لا بد من أن تصدر عن الآخرين بالمشاركة معه ، أو بالانفراد ، وقد لا يعقل أن يكلّف الله الإنسان بأن يبتعد ، بتصوّره العقيدي ، عن هذا الخط ، لأنه ليس مقدوراً له.
فلا بد من أن يكون الأمر منطلقاً من إحساس الإنسان بأن الله هو أساس كل قدرة ، لأنه من مواقع قدرته كانت قدرتنا على من حولنا وما حولنا ، في ما منحنا ، سبحانه وتعالى ، من ذلك. وإذا كنا نحتاج إلى مباشرة بعض أفعالنا بمشاركة الآخرين أو بواسطتهم ، فإننا نشعر بأن الله هو الذي هيّأ لنا ذلك ، وهو الذي يمنحهم القدرة على فعل ذلك. وهذا هو المفهوم من قوله تعالى: (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧].
فإن المقصود فيها ليس المعنى المباشر للرمي من الله سبحانه وتعالى ، بل المقصود هو القوّة الحقيقية للعمق الإلهي للإرادة في الأفعال الإنسانية ، بحيث يكون الله هو الأساس في ذلك كله. فإذا توجّه الإنسان ، في حاجته ، إلى أحد ، فإنه يتوجه إلى الله ، قبل ذلك ، ليطلب منه أن يلهمه الاستجابة له ، كما يمنحه القدرة عليه ، بحيث يكون الله هو المقصد في الطلب ، ويكون الآخر هو الآلة في حصول الشيء.
إن القاعدة في العقيدة الإسلامية التوحيدية ، تنطلق من الإيمان بأن كل ما في الوجود مظهر لقدرة الله ، ووسيلة من وسائل تدبيره للكون ، فليس هناك استقلال لأحد في ما هو الغنى الذاتي ، بل هناك الغنى المستمد من غنى الله في ما يتحرك به كرمه للمحتاجين من عباده. ولذلك ، بطل التفويض الذي ينطلق من الفكرة الفلسفية القائلة : « إن الله خلق الخلق ثم فوّض إليهم تدبير أمورهم