شفاعتهم ، لأنهم لا يملكون من أمرها شيئا بالمعنى الذاتي المستقل ، بل الله هو المالك لذلك كله على جميع المستويات ، فهو الذي يأذن لهم بذلك في مواقع محدّدة ليس لهم أن يتجاوزوها ، الأمر الذي يفرض التقرب إلى الله في أن يجعلنا ممن يأذن لهم بالشفاعة له ، أو الطلب إليهم أن يسألوا الله في الإذن لهم بالشفاعة لطالبها منهم. وهذا ما نفهمه من آيات الشفاعة في القرآن ، التي تؤكد على أنها قضية تتصل بالله ، فليس لأحد أن يمارسها إلّا بإذنه في من ارتضاهم لينالوا عفوه. قال تعالى : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) [مريم : ٨٧]. (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) [طه : ١٠٩]. (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) [سبأ : ٢٣]. (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨].
وليس معنى « إذن الله » للشفعاء أنه أعطاهم الحرية في ذلك ، أو أنه يتقبل منهم ذلك على أساس خصوصيات علاقاتهم ، ليتقرب الناس منهم بالوسائل الخاصة التي تثير مشاعرهم ، وتؤكد علاقتهم بهم بشكل شخصي ، كما هي الأشياء الشخصية ، بل إن معنى ذلك أن الله جعل لهم هذه الكرامة ليستعملوها في ما يوافق رضاه ، لأن المفروض أن رضاهم لا ينفصل عن خط رضاه ، كما أنّ رضاه يتحرك في آفاق حكمته ، لا في آفاق رغبات القريبين إليه بالمعنى الذاتي للمسألة.
وفي ضوء ذلك ، فإن التشفّع بالأنبياء والأولياء لا يمثل خروجاً عن توحيد الاستعانة بالله ، لأنه يرجع في الحقيقة إلى طلب المغفرة من الله والنجاة من النار ، من خلال ما اقتضته إرادة الله وحكمته في ارتباط عفوه بشفاعة هذا النبي أو الولي ، على أساس ما أراده من حكمته في ذلك ، والله العالم.
* * *