العربية ، في قضية التفهيم والتفاهم. ولسنا هنا في مجال البحث الواسع في مسألة « المتشابه » و« التأويل » ، بل كلّ ما هناك أنّنا نريد الإشارة إلى الموضوع في ما نستقر به من ذلك ، وقد ورد عن بعض أئمة أهل البيت عليهالسلام ، جوابا عن سؤال حول ما أثاره بعض النّاس من أنّ المقصود بالصلاة والزكاة ونحو هما رجال معيّنون ، قال : « إنّ الله لا يخاطب عباده بما لا يفهمون » ، ممّا يعني أنّ الآيات القرآنية لا تنطلق في خطّ التعقيد اللفظي والمعنوي أو الإشارة الرمزية التي لا توحي للنّاس بالوضوع في الفهم.
أمّا مسألة « الظاهر » و« الباطن » أو « الظهر » و« البطن » ، فقد أثار العلماء حولها الكثير من الحديث الذي يدور حول المعاني المتعددة التي تمثل بطون القرآن ، على أساس الرّوايات المتنوعة في ذلك حتى عدّ له « سبعون بطنا » ، وانطلق الأصوليون في أبحاثهم اللغوية للبحث عن « جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى » ، واستغرقوا في مسألة الإمكان والاستحالة على الطريقة الفلسفية ، على أساس المقولة التي تقول بأنّ اللفظ قالب للمعنى فلا يمكن أن يتحمل معنيين ، أو المقولة التي تقول بأنّه علامة على المعنى ، فلا مانع من أن يكون دليلا على أكثر من معنى ، وقد رأى البعض في حديث « بطون القرآن » أو « الباطن القرآني » دليلا على أنّ هناك في القرآن شيئا للعامة وشيئا للخاصة ، على مستوى المعنى ، وهذه هي المنطقة « السرية » أو « الخفية » للمعنى القرآني التي لا يتحملها إلّا الأمين على الأسرار الخفية للوحي الإلهي.
ولكنّ القرآن يتحدّث عن النّاس كلّهم ، عند ما يتحدّث عن الآيات التي يبيّنها لهم : لعلّهم يتذكرون ، ويتفكرون ، ويعقلون ، فلا يختص بجماعة دون جماعة ، مما يفرض أنّ الفكرة الظاهرة من القرآن هي الفكرة التي يريد الله للنّاس أن يحملوها ويتحركوا في تفاصيلها الفكرية والعملية ، مع اختلافهم في طبيعة المستوى الذهني في استيعاب خصائصها ، كغيرها من الكلمات العربية البليغة التي يختلف النّاس في فهم مداليلها تبعا لاختلاف ثقافاتهم.