الله ، سبحانه وتعالى ، وبين الملائكة ، ثم بينه وبين إبليس ، لإعطاء الفكرة الحيّة في بيان قيمة الإنسان وكرامته من حيث تأكيد جانب الخلافة له في الأرض ، ومن حيث التركيز على مزاياه التي يتفوّق بها على الملائكة ، بسبب ما منحه الله من العلم ، ومن القدرة على التكيّف بواسطته في جميع مجالات الحياة.
ودخلت السورة في أجواء بني إسرائيل لتحدثنا عن بعض محطات تاريخهم ، وما عايشوه من مشاكل ، لا سيما ممارساتهم العملية المنحرفة ضد الأنبياء ورسالاتهم. ثم انطلقت لتعالج مختلف القضايا الشرعية ، فأثارت الحديث عن الطلاق والزواج ، والصوم ، والصلاة ، والحج ، والربا ، والوصايا ، وغير ذلك.
وفي ضوء ذلك ، تعتبر هذه السورة من أغنى السور القرآنية ، لأنها تجسّد أغلب المجالات الحيّة ، التي يمكن لها أن تغني روحية الإنسان الداخلية ، وثقافته الفكرية والتاريخية والتشريعية ، في الإطار القرآني المميّز.
وربما كان الأساس في هذه الغنى الكبير ، هو أن هذه السورة المدنية تصدت لحاجات المجتمع الإسلامي الجديد في العقيدة والفكر والتشريع ، لتبلور له مفاهيمه وقناعاته ، لئلا ينحرف أمام المد الفكري والتشريعي المنحرف ، الذي كان يتمثّل في أساليب اليهود المتعددة لتضليل المسلمين في صراع الإسلام الدائر معهم ، ومع الفئات الأخرى من المشركين والمنافقين ، ولترسي أسس هذا المجتمع على قاعدة إسلامية متينة. وهذا هو الطابع الذي يغلب على السور المدنية ، بينما تّتجه السور المكيّة إلى تغذية جانب العقيدة لأنها كانت سرّ المشكلة لديهم. هذه صورة مجملة عن الموضوعات التي عالجتها السورة.
* * *