وعلى ضوء ذلك ، فإن التعبير وارد على نحو الكناية لا على نحو الاستعمال الحقيقي بالمعنى المادي للكلمة ليكون حجّة للجسمانيين الذي حاولوا الأخذ بحرفية الكلمات القرآنية ، فتصوروا الله ـ من خلال ذلك ـ جسما ماديا كبقية الأجسام الأخرى في حاجتها إلى العوارض المختصة بالجسم ، وغفلوا عن أن القرآن انطلق في أسلوبه الفني من القمة البلاغية التي تعتمد على الاستعارة والكناية كما تعتمد على الحقيقة حسب الحاجة الفنية للتعبير.
(يُغْشِي) : يغطي ، يقال : غشّى الشيء الشيء : ستره وغطاه ، وأغشاه إياه : جعله يغشاه أي يغطيه ويستره ، ومنه إغشاء الليل النهار لا إغشاء النهار الليل ، لأن الغطاء يناسب الظلمة فقط ولا يناسب النور والضوء.
(حَثِيثاً) : مسرعا. والحثيث : السير السريع بالسوق ، من قولهم : فرس حثيث السير أي سريعه.
(مُسَخَّراتٍ) : أي مذلّلات خاضعات لتصرفه ، منقادات لمشيئته.
(بِأَمْرِهِ) : أي بتدبيره وتصرّفه.
(الْخَلْقُ) : الإيجاد الأوّل المتحرك في نطاق التقدير الإلهي في تنوعاته وشروطه وخصائصه في البسائط والمركب.
(وَالْأَمْرُ) : هو السنن والقوانين المتحركة في نظام الوجود في إيصاله إلى غاياته التي أرادها الله ، سواء في عالم الظواهر الكونية أو الواقع الإنساني ، في السنن التاريخية الحاكمة على مسيرته في أوضاعه العامة والخاصة الصادرة عن الله من خلال أمره التكويني الذي يقول للشيء ، في وجوده ونظامه وسننه ، كن فيكون ، من خلال شأنه وموقعه الربوبي في خالقيّته وتدبيره.
وفي هذا إيحاء بالإبداع الإلهي للوجود ، وبالربوبية المهيمنة المنفتحة