من شؤونهم الحياتية ، وبذلك يستطيع أن يفرّغ سلطان فرعون من قوته الحقيقية ، لأنّ المستضعفين هم القوّة الضاربة بيد المستكبرين ، بما يقدّمونه إليهم من طاقات كبيرة ، فهم المظلومون الذين يستخدمهم الظالمون ، ليكونوا أدوات الظلم ضدّ بعضهم البعض ، وضدّ الآخرين ، وقد تكون مشكلتهم كامنة في هذا الإيحاء المتواصل بمظلوميتهم الذي يعمّق في أنفسهم الشعور بالضعف ، مما يجمّد في داخلهم أية طاقة للحركة في نطاق الثورة والتغيير ، ويركز فيهم فكرة الاستسلام للأمر الواقع ، فكان لا بد من إخراجهم من هذا الجو كله ، وتوعيتهم بأن الطغاة لا يملكون القوّة الذاتية ، لأن قوتهم مستمدّة من قوتهم ـ هم ـ ليتنفسوا هواء الحرية فيعملوا على أن يصيروا أحرارا ، ويتخلصوا من أجواء الاستسلام ، ليفكروا بعملية التغيير.
ولم يكن فعل موسى صادرا في ذلك من عقدة عائلية قوميّة ، بل كان صادرا من فكرة رسالية شاملة. أمّا خصوصيّة هؤلاء ، فقد تكون باعتبارهم الفئة الوحيدة المستضعفة في ذلك البلد ، أو لأن مطالبته بهم ـ وهم قومه تحمل مبررا معقولا في ذهنية المجتمع هناك ، إذ لا بد للإنسان من التفكير بقومه ، وتحمّل مسئوليتهم. أما القوم الآخرون ، فقد يرون أنه لا شأن له بهم ، ولهذا فإنه لا يملك حقا في المطالبة بهم ، وبذلك تدخل هذه المطالبة الخطوة الأولى في الطريق الطويل.
* * *
موسى عليهالسلام يقدم بيّنة نبوّته لفرعون
ولم يبدر من فرعون أيّ ردّ فعل عنيف ضدّ موسى ، بل فكّر ـ في ما يبدو من جوّ الآية ـ بأن التخلص منه أمر ممكن وفي المتناول ، لاعتقاده بأن موسى لا يملك دور الرسول ، فإنه لا يملك حجة على ما يدّعي ، فإذا طولب بالبينة