باعتبار أنه أستاذهم الكبير الذي علمهم السحر ـ كما في آيات أخرى ـ فأرادهم أن يقوموا بهذه التمثيلية ، لإظهاره في موقف المنتصر في مقابل فرعون الذي يقف في موقف المهزوم. فبدأ عملية التهديد والوعيد (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ). وبدأت عملية حرب الأعصاب بالتهديد بالعذاب وقطع الأيدي والأرجل والصلب ليتراجعوا ، فلم يتراجعوا ، وواجهوه بالإيمان القويّ الصامد الذي لا يتزلزل ، ولا ينهار ، ولا يتراجع أمام كل أساليب التهويل والتهديد ، وكان الموقف من أسمى المواقف التي تجسد الثبات على العقيدة أمام قوى الكفر والطغيان حتى الموت.
* * *
السحرة التائبون يسألون الله الصبر
(قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) ماذا تريد أن تفعل؟ هل هناك أكثر من الموت؟ وماذا في الموت ، وماذا بعده؟ إننا سننقلب إلى ربنا وسنرجع إليه ، وسنجد عنده كل رحمة ومغفرة ورضوان ، وسيدخلنا الله جنّته حيث السعادة كلّ السعادة ، والرضا كل الرضا ، وبذلك فإن التهديد لا يمكن أن يمثل أيّ ضغط نفسيّ أو ماديّ لحساب التراجع ، فنحن لن نتراجع أبدا ، لأننا لا نشعر بالسقوط أمام ذلك كله. (وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا). وماذا فعلنا حتى تواجهنا بهذه المواجهة القاسية؟ ولماذا تنقم علينا؟ هل هناك شيء سوى أننا آمنا بآيات ربنا عند ما جاءتنا بالحقيقة الواضحة الناصعة؟! وهل الإذعان للحقّ الواضح الصريح جريمة يستحقّ الإنسان العقاب عليها؟! أيّ معنى لذلك كله ، سوى أن الطغاة يخافون من حركة الإيمان في أفكار الناس ، قبل أن يخافوا من حركته في حياتهم؟! لأنهم يعرفون جيدا ما معنى الصدق في الإيمان ، وكيف يتحول إلى صدق في الموقف أمام كل تحديات الحياة