خلق الله السماوات والأرض بالحق
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) عند ما يحدّقون في الظواهر الكونية في ما تثيره في داخل الفكر الواعي من علامات الاستفهام حول حركة هذه الظواهر ودورها في تنظيم العالم ، وتوازن النظام الكوني ، وذلك من خلال القوانين الطبيعية والسنن الكونية التي أودعها الله في عمق الكون كله ، ليجدوا الحقيقة الإلهية في انتظارهم.
(ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) فليس هناك حالة عبثية في ما يتحرك في هذه الآفاق ، أو في ما يسكن ، بل هناك سرّ كامن في العمق ، يفرضه السكون هنا ، والحركة هناك ، والنظام الذي يتدخل في التفاصيل ، مما يوحي للمتأمّل الذي يلاحق كل هذه الظواهر بأنّ هناك شيئا ما وراء ذلك كله. ولذلك فإنه يعمل على اكتشافه ، فلا يكون شأنه شأن المتخبّط الذي لا يعرف شيئا ولا يسعى إلى هدف ، بل إنّ شأنه شأن السائر إلى غاية يحسّ بها ولكنه لا يعرف تفاصيلها وذلك هو ما تمثله كلمة الحق الذي يمثل الثبات للظاهرة من خلال الأسس القوية التي ترتكز عليها ، ولكنه لا يحمل الخلود في ذاته ، بل ينتهي إلى غاية معينة وأجل محدود في ما أودعه الله في الحياة من حدود الزمن للأشياء.
(وَأَجَلٍ مُسَمًّى) ينتهي بالأشياء إلى شاطئ الآخرة التي تبدأ فيها وضعا جديدا وحياة جديدة ، يقف فيها الناس كلهم ليواجهوا المسؤولية في لقاء الله ، وهذا هو الذي يريد الله لهم أن يختزنوه في داخلهم ، ويتحركوا به في إدارة شؤون حياتهم ، من خلال أن تحديد الأجل يعمّق المسؤولية في وعي الإنسان لطاقته.
(وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) مما يدعو إلى الدهشة