نبذ الشرك والتفريق
(وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الذين ابتعدوا عن الله الواحد الذي يوحد لهم تصورهم للكون والحياة ، كما يوحدهم في الموقع والموقف ، والمنهج والهدف ، وانطلقوا إلى غيره ليتعبدوا له من خلال أوهامهم ، فاختار كل فريق منهم إلها لنفسه ، فتعددت الآلهة ، وتعدّدت المواقع تبعا لذلك ، واختلفت أيضا المواقف ، ولم يشعر الناس بأيّ شيء يوحدهم ، لأن آلهة الكفر والضلال لا يتوحدون في التصوّر ولا في الطريق ولا في الغاية ، لأن لكلّ منهم هوى يحكم موقفه ، ويحدّد موقعه ويحدد موقع الذين جعلوه شريكا من دون الله ، (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) فكان كل فريق شيعة لشخص ، وملتزما بدين ، ومتحركا في نطاق دائرة خاصة تختلف عن الدوائر التي يتحرك فيها الأفرقاء الآخرون ، وانطلق كل واحد منهم يتحزب لصاحبه ودينه ودائرته ويتعصب لمواقعه الخاصة (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) فهم مستغرقون في داخل ذواتهم وأوضاعهم وانتماءاتهم ، لا يلتفتون إلى ما لدى الآخرين ، ولا ينطلقون إلى معرفة الحقيقة في آفاقها الواسعة ، ولا يدخلون في حوار حول ما يفكرون به أو يتحركون فيه أو يتوجهون إليه ، ليتعرفوا وجه الخطأ والصواب في ذلك كله ، بل يظلون في استغراقهم الغافل الذاهل الذي يفرح بما لديهم كاستغراق الطفل في فرحه الطفولي بما يملكه من ألعاب العبث الذي يشغله عن كل شيء.
* * *
بين الحزبية للناس والحزبية لله
ولعلّ هذا التعبير القرآني في هذه الفقرة من الآية ، هو أبلغ تعبير عما تمثله العقلية الحزبية المتعصبة عند ما يستغرق أصحابها في ذواتهم وأصنامهم