معانيه ، وبذلك لا يقتصر حفظه على الكتابة ، بل يمكن أن يحفظه هؤلاء الذي يحملونه في صدورهم ، كعلم يختزنونه فيبلغونه للآخرين. وقد ذكر بعض المفسرين أنه إضراب عن مقدّر يستفاد من الآية السابقة ، كأنه لما نفى عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم التلاوة والخط معا تحصّل من ذلك أن القرآن ليس بكتاب مؤلّف مخطوط ، فأضرب عن هذا المقدّر بقوله : بل هو ـ أي القرآن ـ آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ، وربما يكون بيانا لما يمثله الكتاب في صدور أهل العلم من وضوح دلائله في مفاهيمه وإيحاءاته ، في مقابل المبطلين الذين يجحدونه ، لأن أخذهم بأسباب العلم يجعلهم في موقع الواعين له ، المرتبطين به ، فلا يهملونه ولا يجحدونه ، (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) الذين ظلموا أنفسهم بالكفر ، وبالشرك ، فعاشوا في غيبوبة بليدة عن مواقع الوعي ، فلم ينفتحوا على آيات الله ، بل واجهوها صمّا وعميانا وجحدوها من خلال العقدة المستحكمة في نفوسهم ، لا من خلال الفكر الذي يملك برهان الرفض.
* * *
نزول الآيات من عند الله
(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) كما أنزل على سائر الأنبياء ، كموسى الذي أنزل الله عليه معجزة العصا واليد البيضاء ، وعيسى الذي أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله. وهكذا فإن النبي لا بد له من آية بيّنة تقلب النظام المألوف للأشياء. (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) فليست من قبيل اقتراح يطرح عليه ، بل هي نوع من التدبير الإلهيّ الذي يستقل به الله في كل المواقف والذي يرى فيه الحكمة والمصلحة للعباد ، كما في الحالات التي لا يملك النبي فيها أن يدخل إلى المجتمع إلا من خلال القوة غير المنظورة التي