(وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) أي يائسين ، في ما تمثله المشاعر القلقة الخائفة من إحساس خائف باليأس والقنوط عند ما يغيب السحاب من الأفق وتجف الينابيع من الأرض ، ويموت النبات من الظمأ ، وتتساقط الحيوانات أمام مظاهر الجدب.
* * *
الله يحيي الأرض بعد موتها
(فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) في خضرة الأرض المهتزة بالعشب وبالفاكهة المتدلّية من الأشجار النضرة ، وبالزرع الذي يحمل كل خصائص الحياة الغنية بعناصر القوّة للإنسان وللحيوان. ولا تشغلك مظاهر الجمال فيها عن التفكّر في الله الذي خلقها وأحياها وأعطاها سرّ الحيوية والامتداد ، وحاول أن تستشعر معنى الرحمة الإلهية في ذلك كله ، ليهتز الشعور بمحبة الله في نظرة الإنسان إلى آثار رحمته ، تماما كما يهتز بالانفعال بجمال الطبيعة في أجواء الربيع المهتز بالخضرة.
ولا يقتصر التوجيه القرآني في استلهام العمق العقيدي بالإيمان بالله والشعور برحمته ، على ما يثيره في نفس الإنسان من مشاعر الامتنان بالنعمة والرحمة ، بل يمتد إلى أن يحرك الفكر في اتجاه استشفاف عقلانية الإيمان باليوم الآخر في مواجهته للفكرة المضادة التي تنكر البعث على أساس استبعاده ، وذلك من خلال المقارنة بين موت الأرض وحياتها بقدرة الله ، وبين موت الإنسان وإحيائه بعد ذلك بقدرة الله ، فإن محيي الأرض هو محيي الإنسان (إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فإذا كان الله يملك القدرة المطلقة فلا يعجزه شيء ، في ما يخلق ، ولا في تدبيره ، ولا في تغييره بما يشاء.