التجارب مختبر الإيمان
(الم) من الحروف المقطعة التي مر الحديث عنها في سورة البقرة ، (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) ليس الإيمان كلمة ليقتصر دور الإنسان على التلفظ بها في التأكيد على صدق إيمانه ، ولكنه فكر يتحرك في عقل الإنسان ، وعاطفة تجيش في قلبه ، وكلمة تعبّر عن موقفه ، وحركة في الخط المستقيم الذي يربط بين البداية والنهاية في ما هو عمق الفكرة وامتدادها في الحياة ، في كيانه ووجوده.
وفي ضوء ذلك ، لا بد من علامات واضحة ، تدلّ على كل هذه العناصر في ذاته ، في ما هو الجانب الخفيّ من شخصية الإنسان ، الذي لا يظهر إلا بالتجربة الحيّة المتنوعة المتحركة على أكثر من صعيد ، وفي أكثر من أفق ، بحيث تعمل على أن تجرح داخله بالألم وبالمعاناة ، وتهزّ مواقعه بالكثير من مواطن الاهتزاز ، وتربك خطواته بالعديد من أوضاع التعقيد ، وتثير انفعالاته في أكثر من موقع مثير ، ليكون ذلك كله امتحانا للعمق الداخلي للإيمان في فكر الإنسان وحركته.
* * *
تنوّع التجارب
فهناك التجربة الفكرية ، التي تثير أمامه الشبهات في خط العقيدة وتفاصيلها وفي خط الشريعة ومفرداتها ، وفي مناهج الحركة وأساليبها ، في ما يفكر به الآخرون من التيارات الفكرية المضادة والمنحرفة ، وفي ما يرسمونه من علامات استفهام ، تحرّك الشك في الفكر ، وتزرع الاهتزاز في القلب ، وتحوّل الاطمئنان الداخلي إلى قلق مجنون ، لتكون حركته ضائعة بين خطوط