ومطامحهم في آفاق الحياة وفي ساحة الصراع ، حيث استغرقوا في أوضاعهم ومشاكلهم ، فلم يفكروا بالجانب الآخر من شاطئ الحياة ، بل عاشوا في الضباب الفكري والروحي والشعوري الذي يحجب عنهم وضوح الرؤية للمصير الحاسم ، فيخيّل إليهم أنهم خالدون في ما حصلوا عليه من أموال وأولاد وجاه وملك كبير ، وفي ما بنوه من دور وقصور وقلاع.
إنها التجربة الحيّة التي يتحرك فيها الناس في ساحات التاريخ الحيّ في صورته الماثلة على الأرض ، في حقائق الواقع المكتوبة في مشاهده ، لا في حروفه وكلماته ، (فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) فهل بقي منهم أحد ، وأين ذهبت حياتهم وأطماعهم ، وهل استطاعوا أن يخلدوا أو تخلد دورهم وقصورهم ، وهل استطاعت قلاعهم أن تحميهم من الموت ومن قضاء الله وقدره ، وهل انتفعوا بتمردهم على الله وابتعادهم عنه؟
* * *
كان أكثر الذين من قبل مشركين
(كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) يعبدون الأصنام ، ويتحركون في مواقع القيم الوثنية التي لا يعيش معها الإنسان الانفتاح على الله في ما يرتبط به من علاقة الرسالة بالحياة وبالناس الآخرين لديه ، ومن مسئوليته عن كل ما حوله ومن حوله من الموجودات الحيّة والجامدة ليجد فيها سرّ قدرة الله ، وإبداع حكمته. وهكذا كانت الحياة عندهم محكومة للجانب المتحجر من المادة ، لا الجانب الحيّ من الروح. فهل أفادهم ذلك شيئا ، فأين هم الآن ، وأين موقع الأصنام من كل حياتهم في مسألة البداية والنهاية؟ لقد عاشوا في تفكيرهم في مواقع الشيء الذي لا يحمل معنى ثابتا في ما هو العمق من معنى الحياة وسرّ