المهيمنة على الواقع كله في دوائره الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحاول أن تفرض سيطرتها على المسلمين جميعا ، وتدعوهم إلى الخضوع لمفاهيمها وللانسحاق تحت إرادتها ، بحيث لا تبقى لهم أيّة إرادة ، وتزرع في نفوسهم مشاعر الخوف والقلق والضياع لتبدّد من داخلهم أيّ شعور بالأصالة الإسلامية كخطّ ثابت يحتوي الإنسان والحياة ، ليعيشوا كهامش جانبيّ على امتدادات الطريق للآخرين ، وقد يسقط الكثيرون أمام ذلك ، وقد يبقى البعض منهم متماسكا متوازنا ثابت القدم ، قويّ العزيمة ، منفتح الروح ، رحب الأفق .. من خلال انفتاحه على الله سبحانه.
وفي هذه الأجواء ، لا بد من دخول الإيمان ساحة الامتحان ، في مواقع فتنة الفكر والروح والجسد ، ليظهر جوهره الأصيل في دائرة الثبات والاهتزاز في حركة الحق والباطل في الحياة.
* * *
فتنة الأولين
(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم السابقة عند ما أرسلنا إليهم الرسل وأنزلنا عليهم الكتب ، وعرّفناهم طريق الخطأ والصواب والضلال والهدى ، وجاءتهم الحياة الدنيا بكل زخارفها وبهارجها ، وحليت ، في أعينهم ، وعاشت في قلوبهم ، حتى بدأ البعض ينجذب إليها ، ويستغرق في شهواتها ، فتمردوا على الأنبياء ، وكذبوهم ، واضطهدوهم ، وقتلوا الكثيرين منهم ، وعاثوا في الأرض فسادا واستعبدوا الناس واستكبروا عليهم ، حتى أعلنوا أنفسهم آلهة من دون الله. وبقيت هناك قلّة منهم ممن فهموا الدنيا على حقيقتها في مواقع المسؤولية التي تواجههم ، وتفتح قلوبهم على مواقع الخوف من الله ، والمحبة له ، وتوحي إليهم بأن الحياة رسالة لا بد للإنسان من أن يحملها ، ويتحمّل