كل حركة ، ليستطيع من خلال ذلك ، العودة إلى الساحة من مركز قوّة ليحوّلها إلى ساحة إيمان ، أو العمل على توسعة آفاقه التي تقربه إلى الله وتقرّب الناس من الله ، لأن رسالته لا تقتصر على قومه بل تشمل كل الناس.
وهكذا رأينا أن هجرة إبراهيم إلى الله كانت السبب في بنائه للبيت ليكون مثابة للناس وأمنا ومسجدا للطائفين والقائمين والركع السجود ، وانطلاق الحنيفية إلى تلك المنطقة ، مما قد لا يحصل في بقاء إبراهيم في دائرة قومه. وقد نجد في إعلان ذلك لقومه إيحاء لهم ، بأنه لن يضيع عند ما يتركونه ولن يذلّ عند ما يخذلونه ، بل سيجد عند ربه الهدى في حكمته ووحيه ، وسيحصل على العزّة في قوّته وجبروته ، وأنّ ربه ليس مجرد فكرة تجريدية يخلقها في داخل نفسه ، كما يخلقون أصنامهم من خلال أوهامهم ، بل هو حقيقة تهيمن على الكون كله ، وتدبّره وترعاه ، وترعى كل موجود فيه ، وتؤمّن كل خائف في حياته. ولن يستطيع أحد أن يرعاه كما يرعاه ربه ، أو يحميه كما يحميه الله. ولذلك فإنه مهاجر إليه ، بعد خذلان قومه له واضطهادهم له (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) لا يذل من نصره ولا يضيع من حفظه.
* * *
النبوّة في ذرية إبراهيم
(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) أي كرمنا إبراهيمعليهالسلام ، بأن جعلنا النبوة تمتد في أبنائه إسحاق ويعقوب ، وذلك لما كان عليه ـ عليهالسلام ـ من تسليم قلبه لله تعالى ، ومن صبر على تحمل أعباء الرسالة .. ولما حمله أولاده في قلوبهم من إيمان ، وفي سلوكهم من التزام بأوامر الله ونواهيه ، بحيث استحقوا أن يكونوا موضعا لكرامة الله