المصير ، ولذلك فإنهم انفتحوا في النهاية على اللّاشيء في المسألة الجدّية من الفكر والواقع.
ولعلّ في التعبير بقوله : (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) بعض الإيحاء بأن الموحّدين المؤمنين هم الأقليّة التي صبرت على الفكر الذي يفرض جهد التأمّل ، وعمق البحث ، وانفتحت على الحقيقة من موقع المعاناة الطويلة القاسية ، وصبرت على الثبات في ساحة المبادئ وتمرّدت على كل تهاويل الأشباح ، حتى استقرت في مواقع التوحيد وفي آفاق العبادة الخاشعة بين يدي الله.
* * *
الاستقامة على الدين سلامة للمصير
وإذا كانت الأقلّية هي التي تلتزم الحق في الإيمان ـ غالبا ـ فإن المعنى الكامن في ذلك أن الأكثرية لا تمثل المقياس الدقيق للحقيقة (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) البليغ الاستقامة ، الذي لا عوج فيه لأنه يبدأ من توحيد الله ليستمر ، فيستقيم في خط الله على هدى وحيه وشريعته ، مما يجعل من الانتماء إليه ، والالتزام به ، وإقامة الذات في كل تطلعاتها وخطواتها في اتجاهه ، القاعدة الصلبة التي تنطلق منها سلامة المصير. فذلك هو وحده الفرصة الوحيدة والطريق الوحيد للخلاص ، (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) لأن إرادة الله قضت بأن يحشر الناس إليه في يوم القيامة ، فلا يستطيع أحد أن يردّه ، لأنه ـ سبحانه ـ لا يريد أن يردّه من جهته ، (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) فيصابون بالتصدع والتمزق والتفرّق ، فيذهب كل واحد إلى حيث أراد الله أن يذهب في خط مصيره ، فلا يبقى لهم من مجتمعهم الذي كانوا يجتمعون فيه ويلتقون على