تجعله في خط المواجهة القوية للقوى النافذة في مواقع السلطة ذات التأثير الكبير على الناس. وبذلك تكون المعجزة ردا للتحدي من ناحية وقائية أو دفاعية ، وتمهيدا لحركة الرسالة من موقع قوّة ، في الوقت الذي تحتاج فيه إلى ذلك في بدايتها ، وليست أسلوبا من أساليب إثبات الرسالة التي يراد للعقل أن يقتنع بها من خلال معطياته العامة. ولذلك كان جواب الرسول محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم في ما أراده الله أن يجيب به قومه ، أنه لا يملك الآيات الخارقة للعادة ، وليس من مهمته أن يقدمها للناس لتكون جزءا من رسالته ، بل هي تابعة للإرادة الإلهية وللتدبير الإلهي في ما يراه الله سبحانه من الحكمة والمصلحة. (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) لأنذركم بالنتائج الصعبة التي تنتظركم في ما تتحركون به في اتجاهها ، ولأحاول إقناعكم بالأفكار والمبادئ التي أوحى بها الله إليّ ، لتكون حياتكم خاضعة لها في مفاهيمها وحركتها في إطار العمل والمواقف والعلاقات.
* * *
الكتاب حجة بذاته
(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) فهو الدليل على حقائق الإيمان ، في إعجازه الذي لم يستطع أحد أن يواجه تحديه ، ولو بالإتيان بسورة من مثله ، وفي مناهجه التي تحترم العقل وتقود إلى التفكير ، وتتحرك في ضوء المنهج العقلي والتجريبي ، لتكون المعرفة هي الأساس في حركة العقيدة في داخل الشخصية ، سواء في ذلك معرفة الله ومعرفة الرسول ومعرفة الإنسان في فكره وحياته وتشريعاته التي تتصل بالمبادئ العامة للحياة ، وبالجانب التفصيلي لكل مفرداتها الصغيرة والكبيرة ، في ما يوحي بالتوازن الدقيق في ما هي مصلحة الفرد والجماعة ، وحركة الروح والمادة ، في الخط