كاتبا له من إملاء شخص آخر ، لأنه لا يكتب. ولو كان الأمر على العكس من ذلك (إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) الذين يخوضون في الباطل ، ليفرضوه على الحياة ، من موقع الرغبة في تأكيد الأكاذيب لمصلحتهم الذاتية ، وقالوا إنه قارئ كاتب ، فقد يكون استغلّ جهلنا بالرسالات في ما نزلت به التوراة والإنجيل ، فنقل عنهما ما أراد ، وادعى الرسالة على هذا الأساس.
ولكنهم لم يجدوا سبيلا إلى هذا القول ، لأن النبي لم يكن شخصا منعزلا عن قومه ليجهلوا طاقاته الثقافية ، ولم يكن بعيدا عن مجتمعهم ، بل كان قريبا إلى حياتهم ، ولهذا كان مستودع أماناتهم ، مما يجعل العلاقة بهم علاقة مستمرة. وإذا كانت له بعض الفترات التي يغيب فيها عنهم ليفكر ويتأمل في غار حراء ، فهي لم تكن بالحجم الذي ينفصل به عن مجتمعة. ولهذا فقد قرأ هذه الآية على قومه ، ولم يستنكرها عليه أحد ، إذ لو كانت غير حقيقية في مضمونها ، لوجد فيها الكافرون فرصة لتكذيبه والرّد عليه ، باعتبار أنهم يعرفون تاريخه وملكاته من خلال معرفتهم بكل أوضاعه وخفاياه.
ولعل هذا الجانب التاريخي الذي رافق حركة هذه الآية المكيّة في مجتمع المدينة ، هو الرّد على الكثيرين الذين ينكرون صدق القرآن في هذه القضية ، ممن لا يؤمنون بالقرآن كرسالة إلهية ، فإن غياب أيّ اعتراض من جانب مجتمع النبي الذي كان يبحث عن أيّ شيء ، مهما كان نوعه ، يدل على أن المضمون هو الحقيقة التي لا يأتيها الباطل من أي مكان.
* * *
القرآن آيات بينات
(بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) فهم يعرفون روعته وعمقه ، ويحفظونه من الضياع ، وذلك في ما يفهمونه منه ويبلغونه من