هذا يوم البعث ولكن كنتم لا تعلمون
(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) وذلك من خلال استغراقهم في أجواء اللحظة في إحساسهم بالزمن ، فلا يعيشون امتداده في ما مضى ، كما لو كانوا لا يشعرون بمسؤوليته في ما يستقبلون ، أو من خلال غفلتهم عنه ، وفقدانهم الإحساس بحركته في حياتهم الماضية حتى يوم البعث ، أو في المدة التي امتدت منذ الموت حتى البعث. ولهذا أقسموا أنهم لم يلبثوا غير ساعة ، فأكدوا بذلك فقدان ذاكرتهم حول الماضي أو غياب التركيز في وعيهم لمضمون ما في الذاكرة ، من خلال ما يتولاهم من الدهشة والمفاجأة (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) أي يبتعدون ويصرفون عن الحق إلى الباطل عند ما كانوا في الدنيا يؤكدون للآخرين نفي البعث والحساب. وبذلك كانت القضية لديهم هي قضية الشخصية القلقة الرافضة للحقيقة ، الهاربة من مواجهتها ، والغافلة عنها الهاربة من إعلانها ، مما يجعل السلوك الذاتي المنحرف خاضعا للخلفيات المرضية الكامنة في العمق الداخلي للذات.
(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) في ما أخذوا به من أسباب العلم الذي أغنوا به عقولهم وقناعاتهم ، فلم يستسلموا للجهالات وللشبهات ، وفي ما اقتنعوا به من مواقع الإيمان ، في ما عاشوه من وعي الفطرة ، وما استمعوا إليه من نداء الإحساس ، وما تأملوه من حقائق العقل ، فكانت كلماتهم صادرة من حركة الحقيقة في العقل والوجدان (لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) فقد لبثتم أمدا طويلا لا يحصيه إلا الله في كتابه الذي قد يكون كناية عن علمه ، وامتد بكم الزمن إلى يوم البعث ، ومهما كان الزمن الذي لبثتموه ، قليلا أو كثيرا ، فإنه لا يغير شيئا من النتائج الحاسمة في مسألة المصير ، (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) الذي كنتم تنكرونه وتسخرون من الذين يدعونكم إلى