من حيث انحرفا ، وليكفر من حيث كفرا ، فيتحرّج من ذلك عند ما يقف بين عاطفته التي تضغط على قلبه لينفتح على والديه في ما يحبانه منه ، وبين إيمانه الذي يضغط على إرادته لتؤكد الموقف في الانفتاح على الله في ما يحبه منه من الثبات على الاستقامة. وقد أراد الله أن يبين للإنسان المؤمن أن العاطفة التي تشدّه إلى والديه ، في ما أوصاه الله به من ذلك ، وفي ما يتحسسه مما قدّماه إليه من الجميل ، لا تفرض عليه الانشداد إليهما في مقام الطاعة ، بل تفرض عليه التعاطف معهما في مقام الإحسان ، أمّا الطاعة فهي لله ، فإذا أمراه بما يحبه الله ، فعليه أن يطيعهما في مواقع طاعة الله ، وإذا أمراه بغير ذلك ، فعليه أن يطيع الله ، ويعصيهما في ذلك.
* * *
الوصية بالإحسان للوالدين
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) أي توصية حسنة أو ذات حسن ، أي أمرناه أن يحسن إليهما. وقد تحدثنا في هذا التفسير عن الخط القرآني في مسألة الوالدين ، الذي جعل المسألة في دائرة الإحسان في مقابل العقوق ، ولم يجعلها في دائرة الطاعة ، لأن طبيعة العنصر الذي يربط الولد بالوالدين ، لا يمنح الوالدين هذا الحق ، لأنه لا يرتبط بالجانب العاطفي من شخصيته ، بل يرتبط بالجانب الواقعي في إدراك المصلحة والمفسدة في الأشياء ، مما قد لا يدركه الوالدان في أكثر الحالات .. ولهذا فإن الطاعة إذا التقت بالإحسان ، بحيث كان تركها عقوقا من دون أن يسيء ذلك إلى مبادئ الود ومصالحه الحقيقية ، فلا بد للإنسان من العمل على أساسها وإلا فلا.
* * *