الإيمان ولا يدركون خطورته ، بل يعتبرونه مجرّد موقف من المواقف التي يصلون من خلالها إلى غاياتهم الذاتية في ما يحققونه لأنفسهم من مصالح ومطامع ، ولهذا فإنهم يقيسون القضية بحجم النتائج الإيجابية أو السلبية في الدائرة الخاصة ، لأنهم ليسوا أصحاب مبادئ ، بل أصحاب مصالح ، فإذا تأثرت مصالحهم ، ثاروا على الإيمان والمؤمنين ، وابتعدوا عنهم ، واعتبروا القضية ضريبة فادحة بالنسبة إليهم .. وإذا كانت هناك فرصة طيبة للربح ، اقتربوا ـ من خلالها ـ من المؤمنين ، وأعلنوا انتماءهم للإيمان وللإسلام.
* * *
المنافق لا يصبر على الأذى
إنهم المنافقون الذين يعلم الله خفاياهم ، فلا يغيب عن علمه شيء من ذلك كله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ) أي كان الإيذاء متوجها إليه بسبب إيمانه بالله وعلاقته به ، من خلال تعرّض مصالحه للخطر وعلاقاته بمواقع القوّة في الحياة للتعقيد ، أو تعرّض جسده للتعذيب والتنكيل. وقد فسّر البعض الكلمة على أساس الحذف ، أي أوذي في سبيل الله ، في ما يفرضه ذلك من ضريبة المواجهة في خط الجهاد. ولكن الظاهر أن الكلمة ليست واردة في هذا السياق ، لأن هؤلاء الجماعة لم يتحركوا في خط الجهاد ليلحقهم أذاه ، لا سيّما أن السورة مكية ، في ما تقول بعض الروايات ، مما يعني أنها دائرة في سياق الأذى المترتب على الالتزام العقائدي ـ الإيماني ، ولكنها يمكن أن تختزن بعض المعاني التي تشمل ذلك ، على أساس أن الإيذاء المترتب على الالتزام العقائدي للشخص إنما يناله من جهة كونه موقفا في مواجهة موقف الكفر ، وموقعا من مواقع القوّة لله ، فإذا حدث ذلك للإنسان منهم (جَعَلَ فِتْنَةَ