هل كان إبراهيم يعلم أن لوطا لن يعذب؟
وهناك لفتة جيدة ، ذكرها صاحب تفسير الميزان في تفسير كلام إبراهيم للملائكة (إِنَّ فِيها لُوطاً) قال : إن إبراهيم عليهالسلام ، لم يكن ليجهل أن الله سبحانه لا يعذب لوطا وهو نبيّ مرسل ، وإن شمل العذاب جميع من سواه من أهل قريته ، ولا أنه يخوّفه ويذعره ويفزعه بقهره عليهم ، بل كان ـ عليهالسلام ـ يريد بقوله : (إِنَّ فِيها لُوطاً) أن يصرف العذاب عن أهل القرية كرامة للوط لا أن يدفعه عن لوط ، فأجيب بأنهم مأمورون بإنجائه وإخراجه من بين أهل القرية ومعه أهله إلا امرأته كانت من الغابرين.
والدليل على هذا الذي ذكرنا قوله تعالى في سورة هود في هذا الموضع من القصة : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ* إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ* يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) [هود : ٧٤ ـ ٧٦](١).
وقد نلاحظ على ذلك ، أن الآية لا يظهر فيها ما ذكره ، ولهذا كان جواب الملائكة بيانا لمصير لوط ، لا لمناقشة مصير قومه ، كما ذكر في سورة هود ، ولا مانع من أن يكون إبراهيم عليهالسلام قد أثار مصير قوم لوط معهم ، كما أثار مصير لوط ، انطلاقا من النظرة السريعة للموقف على أساس الإعلان المفاجئ عن تعذيبهم ، تماما كما كان رد فعله السريع على البشارة ، باستغراب ذلك واستبعاده ، وليس من الضروري أن يكون النبي مستحضرا في نفسه لكل الأمور المتصلة بالأحداث ، بحيث يفقد عنصر المفاجأة في كل شيء ، فقد تكون فكرة هلاك لوط مع قومه واردة على أساس أن الأمور التكوينية لا تفرّق في بلاء الدنيا بين الصالحين وغيرهم ، والله العالم.
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٦ ، ص : ١٢٨.