والتعجب ، لأن الكفر ينطلق من فقدان الأسس التي يرتكز عليها الإيمان ، فإذا كان هؤلاء يؤمنون بإيجاد الله للكون وللناس فيه ، فكيف لا يكون قادرا على إعادتهم بعد الموت ، على أساس أن طبيعة القدرة واحدة هنا وهناك؟!
* * *
عاقبة الأمم السابقة
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم السالفة (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) فقد كان منهم العمالقة والجبابرة وكان منهم الجماعات التي تملك الحضارة والتقدم والرقيّ والعمران (وَأَثارُوا الْأَرْضَ) أي حرثوها وأصلحوها للزراعة (وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) بما كانوا يملكون من ثقافة عمرانية ، وقدرة معمارية وهندسية. (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) التي تشرح صدورهم للإيمان ، وتخطط لهم الطريق
للتقوى ، مما لا يدع لهم شكا ولا شبهة في أيّ شأن من شؤون ذلك. ولكنهم لم يلتزموا بالعقيدة الحقّة ، ولم يسيروا على خط الله ، فأهلكهم الله بذنوبهم ، وأخذهم بكفرهم أخذ عزيز مقتدر ، لأنهم استحقوا ذلك (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) لأن الله ليس بحاجة إلى أن يظلم عباده ، لأن الظلم مظهر ضعف يتعالى عنه الله القويّ العزيز (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) لأنهم لم يتحملوا مسئولية الإيمان بعد قيام الحجة عليهم فيه ، ولم يستقيموا في خط العمل الصالح ، بعد نزول الوحي عليهم في أوامر الله ونواهيه.
كيف يغفل هؤلاء عن ذلك كله؟ وكيف يمرّون على منازل هؤلاء الناس دون أن يثير ذلك فيهم أيّ فكر يتطلع للمعرفة من خلال حركة التاريخ في الماضي ، ودون أن يدفعهم إلى الاعتبار بما حصل للسابقين ليعرفوا ما ذا يحدث لهم ولمن بعدهم في المستقبل.