والمستقيمين في نهج العمل الصالح أمام انحرافات الشرّ والفساد ، والمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ، أو الذين هاجروا تحت تأثير الضغط القاسي ، لأنهم لم يقبلوا الخضوع لإرادة الوثنيين والمشركين ، (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) الذين كانت حياتهم كلها عملا في سبيل الله وثباتا على دينه ، (الَّذِينَ صَبَرُوا) على البلاء والتحدي ومرارة الفقر والتشريد والحرمان ، (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) من موقع الثقة المطلقة به وبوعده في نصرة عباده الذين ينصرونه بالثبات على دينه ، والانفتاح على الثقة بالمستقبل من قاعدة التوكل عليه والثقة به ، والاستسلام له على أساس أنه يملك الحاضر والمستقبل ، ويملك حماية الإنسان مما يخافه من وحشة المجهول الذي تتحرك فيه المتغيّرات والمفاجآت غير المحسوبة التي قد تقلب الكثير من الأوضاع ، وتخلط الكثير من الأوراق ، وتربك الكثير من المعادلات الإنسانية.
* * *
الرزق على الله
(وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) كأيّن للتكثير ، أي أن كثيرا من الدواب التي تتحرك في الأرض لا تحمل رزقها ولا تدخره ، لأنها قد لا تملك من وسائله الكثير ، ولكنها لا تموت من خلال ذلك ، لأن مسألة الرزق لا تخضع دائما للقدرات الذاتية ، والأسباب العادية ، بل تخضع لتقدير الله وتخطيطه في توزيع الرزق على الناس من خلال ما يخلقه من أسباب طبيعية وغير طبيعية ، مما ينسجم مع الحكمة الإلهية في تدبير الكون كله ، وهكذا تفرض القضية الإيمانية القائمة على أساس السنّة الإلهيّة ، (اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) في ما يهيّئه لكم من وسائل الادّخار ، ومن أسباب الحصول على الرزق ، أو في ما يرزقكم