أمّا رجوع الشكر لنفس الشاكر ، فقد يكون من جهتين :
الأولى : أن الشكر يمثل حركة الإنسانية في داخل الذات في انفعالها بالنعم الإلهيّة ، مما يجعلها تنفتح على الله في وعيها الروحي لإحسانه وفضله ورحمته ، وفي ارتفاعها في مدارج السموّ لتصل إلى الموقع الأسمى الذي تصعد من خلاله إلى الوقوف بين يديه في صفاء الشعور ، وابتهال الكلمة ، وعبوديّة الذات ، وخشوع الموقف ، مما يحقق الصلة بالله أكثر ، ويثير الشعور بالسعادة الروحية بشكل أعمق ، ويدفع بالمعرفة بالله في الفكر والحسّ والوجدان ، إلى مجال أوسع.
الثانية : أن الشاكر لله ينال الزيادة في نعم الله عليه في الدنيا في ما وعد الله به عباده من ذلك ، مما تمثله الآية (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم : ٧]. كما ينال الثواب والرحمة واللطف من ربه في الآخرة.
(وَمَنْ كَفَرَ) فلم يشكر النعمة بل جحدها وأهملها وتمرّد على كل إيحاءاتها ، فلن يضر الله شيئا (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) ، فهو الغني عن كل عباده ، وهو الحميد بكل صفات الجلال والجمال في ذاته.
* * *
لقمان يعظ ابنه
(وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ) وهذه هي الصورة الإنسانية الحميمة الرائعة ، التي تمثل النموذج الأمثل للمسؤولية التي يتحملها الجيل القديم بالنسبة إلى الجيل الجديد ، في علاقة الآباء بالأبناء ، فقد سبقوهم إلى التجربة ، في ما توحي به من المعرفة ، وإلى التأمّل ، في ما يوحي به من