العلم ، ولذلك فقد كان من الطبيعيّ للجوّ العاطفي الحميم أن يعمدوا إلى اختصار المرحلة التي يحتاج الأبناء إلى أن يقطعوها في وقت طويل ، وإلى تقديم التجربة ، وتحريك المعرفة في حياتهم ، ليبدأوا بداية طيبة من الموقع الثابت الصلب ، القائم على بدايات الآخرين ، لئلا يحتاجوا إلى أن يرجعوا إلى نقطة البداية في ذلك كله.
وهذا هو الذي جعل لقمان يجلس إلى ولده ، ليكون الدرس الأول الذي يقدمه له هو توحيد الله ، الذي عبّر عنه برفض الشرك ، لتتوحد كل آفاق الحياة لديه في أفق واحد ، ولتلتقي كل مواقعها في موقع واحد ، ولتتحرك كل اتجاهاتها في اتجاه واحد ، ليبقى الإنسان مع الله وحده ، وليدخل إلى الآخرين من الباب الذي ينفتح على الله ، لأنه وحده الحقيقة ، وكل ما عداه فهو ظلّ لوجوده.
وهناك نقطة أخرى وهي ربط مسألة الشرك بالله بالظلم ، في ما عبرت عنه الآية الكريمة : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) لأنه ظلم مضاعف متعدد ، فهو ظلم لله من موقع التعدي على حق الله في توحيده في العقيدة وفي العبادة ، وكل تجاوز عن الحق ظلم ، من دون فرق بين انطلاقه من موقع القوّة أمام موقع الضعف ، وبين انطلاقه من موقع الضعف الذي لا يراعي حقوق القوي في خلقه وفي نعمه.
وهو ظلم للنفس ، لأنه يورّط النفس في عذاب الله ، كما يوقعها في الكثير من مواقع سخطه ، من خلال الارتباط بغيره ، والتعلق بالأهواء ، ونسيان الله تعالى ومنهاجه الذي يكفل للإنسان السعادة في الدنيا والآخرة.
* * *